- نُشرت في 06 أبريل 2020
الإجراءات الوقائية ضد تفشى فيروس الكورونا مهمة بالغة الأهمية، ولكنها بدأت أن تشلّ نسق الحياة والعمل للجميع، والأهم أن توابع هذا الشلل ستصيب السكان بأشكال متفاوتة حسب نوعية عملهم ما بين من لم تُمس دخولهم أو لديهم من المدخرات ما يكفيهم لتخطى الأزمة، إلى من ستُمحى دخولهم مثلما تمحى العاصفة آثار الأقدام فى الرمال. هنا، يأتى المسكن، خاصة للمستأجرين أو من يسددون أقساط التمويل العقارى، أو أقساط المطورين، فى مهب أى تغيير ملحوظ فى الدخل، مما يهدد مئات الآلاف من الأسر بالتشرد إن لم تتخذ التدابير الوقائية اللازمة لضمان مسكنهم، وبشكل سريع.
اتخذت الحكومة بالفعل عددا من التدابير لدعم الأفراد خلال الأزمة الاقتصادية وظروف الإغلاق المفروضة. من بينها منح وزارة القوى العاملة إعانة للعمالة غير المنتظمة، بالإضافة إلى تدابير البنك المركزى لإعادة جدولة أقساط القروض الشخصية والتمويل العقارى. ومع أهمية هذه الخطوات، إلا أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى احتياج مُلح لتوسيعها والإضافة لها لتغطية أكبر قدر ممكن من الأسر الهشة اقتصاديًا، أى الفقراء ومحدودو الدخل وأى أسرة سيتأثر دخلها بشكل ملحوظ يهددها بالإفقار. ولكن الجانب الأهم فى الوقت الراهن لدعم هذه الأسر، هو حث أكبر عدد ممكن من السكان على التزام منازلهم لوأد تفشى الوباء، وهذا عن طريق ضمان استقرار مسكنهم.
عبء الإيجارات غير مرن
بقراءة بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك الذى يُصدره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، نلاحظ أن ثانى أكبر بند تُنفق عليه الأسر هو مصاريف السكن بمتوسط 19% من الإنفاق، بعد بند الطعام والشراب الذى يلتهم 37% من الإنفاق. يضم بند السكن الإيجارات إن وجدت، والمرافق من كهرباء ومياه وغاز، ومصاريف الصيانة، وترتفع هذه النسبة إلى 21% للأسر الأكثر فقرًا (الفئة العُشرية الأولى). ولكن تأتى أهمية المسكن فى المرتبة الأولى ما بين الاحتياجات، فإذا تعثرت أسرة فى تسديد الإيجار ستجد نفسها ملقاة فى الشارع بدون مأوى، أو إذا لم تستطع سداد الكارت مسبق الدفع للكهرباء أو مياه الشرب ستنقطع عنها المرافق الأساسية. كما لا توجد برامج حكومية أو أهلية لدعم هذه المصاريف الأساسية، والتى تمثل عبئا غير مرن فى التعامل معها، أى أنه من الصعب إعادة التفاوض على قيمة عقد الإيجار، أو كارت مرافق خالٍ من أى رصيد.
كل هذا يجب أن يُرى أيضًا من خلال الأسر المستأجرة بنظام الإيجار الجديد، العالى التكلفة. فحسب بحث لمرصد العمران مثل متوسط الإيجارات الجديدة المعروضة فى السوق سنة 2017 نحو 1200 جنيه شهريا، وهى نحو ثلاثة أضعاف الإيجارات الافتراضية المحتسبة فى بحث الدخل لسنة 2017/2018، نظرًا إلى ضمه ما بين الإيجارات القديمة المتدنية، والأسر المالكة لمسكنها ولا تسدد إيجارا شهريا. هنا ترتفع نسبة الإنفاق على المسكن للأسر المستأجرة إلى 35% من دخلها، مما يضع عليها عبئا ماليا أعلى بكثير عن الذى تتحمله الأسر المالكة لمسكنها أو المستأجرة بنظام الإيجار القديم والتى تنخفض إلى 6% من دخلها.
هناك سبب آخر لأهمية وضع برنامج لدعم الأسر المستأجرة، وهى غالبيتها فى الحضر، وهو تركز محدودى الدخل فى هذه الفئة. من المعروف أن الإيجار يعتمد على الدخل وليس الثروة مما يجعل المستأجرين أكثر عرضة للتأثر من الشلل الاقتصادى عن ملاك المساكن، خاصةً إذا اجتمعت ظروف الأسرة ما بين العمالة غير المنتظمة والإيجار. كما أن الغالبية العظمى من المستأجرين لجأوا إلى الاستئجار لأنهم أقل دخلًا من الملاك، ولم يستطيعوا الادخار لشراء مسكن.
من حيث الحجم، يمثل المستأجرون نحو ربع سكان الحضر حسب تعداد سنة 2017، منقسمين ما بين نظام الإيجار القديم (13%) والإيجار الجديد (12%) أو أكثر من مليون ونصف المليون أسرة يضمون نحو ستة ملايين فرد. لذا يجب وضع برنامج متعدد الأوجه لدعم المستأجرين على غرار دعم المقترضين، وهذا ليس صعبًا.
دعم المستأجرين
أولا، يمكن للحكومة أن تبدأ بنفسها. فتوجد أكثر من 100 ألف أسرة تسكن بمساكن جديدة تابعة للمحافظات مثل الأسمرات بالقاهرة وبشاير الخير بالإسكندرية، تم نقلهم إليها من ضمن مشاريع تطوير العشوائيات. الغالبية العظمى من سكان هذه المساكن محدودو الدخل ويسددون نحو 300 جنيه إيجار، يمكن للأجهزة الحكومية إعفاءهم منه لمدة ثلاثة أشهر، وهو عبء صغير على هذه الأجهزة حيث يمثل أقل من 100 مليون جنيه، أو 0.1% من حزمة الدعم الذى أعلن عنها رئيس الجمهورية وهى 100 مليار جنيه.
ثانيًا، يجب وضع إعانة إيجار لمدة ثلاثة أشهر لجميع المستأجرين من مُلاك طبيعيين والذين يقل إيجارهم عن متوسط قيمة الإيجار الجديد لكل محافظة. فهذه الفئة تعد الأكثر احتياجًا من بين المستأجرين، يسهل التحقق من قيمة الإيجار ووضعهم من خلال عقود الإيجار وبيانات تعداد السكان الأخيرة، كما يسهل التحقق أن ليس لديهم أملاك عقارية من خلال قاعدة بيانات الضرائب العقارية. إذا افترضنا أن نصف المستأجرين بالإيجار الجديد يحتاجون إلى هذه الإعانة، أى 750 ألف أسرة، فقد يكلف هذا الاجراء نحو 1.5 مليار جنيه، وهو ما يمثل فقط 1.5% من حزمة الإعانة القومية. هذا البند يمكن تمويله من خلال صندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقارى، والذى حصل مؤخرًا على قرض إضافى من البنك الدولى قيمته 500 مليون دولار لدعم الإسكان. مع تأجيل تسليم وحدات الإسكان الاجتماعى والإعلان عن وحدات جديدة وتباطؤ عملية التنفيذ، سيكون لديه من الفائض ما يكفى الإنفاق على هذا البند.
ثالثًا، يجب السماح لجميع المستأجرين الذين يساوى إيجارهم متوسط القيمة بكل محافظة، حتى ضعف هذه القيمة، أى متوسطى الدخل، بالاقتراض لتغطية الإيجار بحد أقصى ثلاثة أشهر مع سداد القرض على ثلاث سنوات بدون فوائد. هذا الإجراء أيضا من السهل تمويله من احتياطى البنك المركزى المخصص للتمويل العقارى لمحدودى الدخل، والذى تم تجديده مؤخرًا بمبلغ 40 مليار جنيه، للأسباب سالفة الذكر.
رابعًا، يجب إيقاف جميع تنفيذات الإخلاء القانونى لمدة ثلاثة أشهر لجميع الوحدات السكنية وتأجيلها إلى ما بعد هذه المدة إذا عادت الأمور لطبيعتها، أو تجديد التجميد إذا امتدت الإجراءات الوقائية لضمان المسكن تحت هذه الظروف الاستثنائية. هذا بالإضافة إلى مد أى عقود إيجار ستنتهى خلال هذه المدة لثلاثة أشهر إضافية إن لم يتمكن المستأجرون من تدبير مسكن آخر.
دعم المرافق
طرحت النائبة إيفلين متى بطرس، عضو مجلس النواب منذ أيام مقترحا بتأجيل سداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز لمدة شهرين لجميع المواطنين، من ضمن حزمة لدعم محدودى الدخل فى هذه الأزمة. ولكن رفضت وزارة الكهرباء حتى الآن تلبية هذا المطلب، مدللة باحتياجها إلى تسديد مسئولياتها المالية تجاه العاملين بشركاتها ومورديها. ولكن ليس من الصعب على الحكومة المركزية بإعانة وزارة الكهرباء لهذه المدة حتى تحصيل متأخرات الفواتير، والتى تمثل بمتوسط 5% من الإنفاق الأسرى، وكما ذكرت، تمثل أهمية بالغة كخدمة أساسية وحق لا تستطيع أسرة أن تعيش بدونه. هذا بالإضافة إلى تحمل الحكومة دعم طاقة المصانع، فلم لا الأفراد.. خاصة مستهلكى الشرائح المتوسطة أى ما بين 200 و 300 كيلو وات/ساعة فى الشهر؟
يمكن تنفيذ هذا بسهولة من خلال جدولة المتأخرات على فواتير الكهرباء، ولكن بدون مصاريف أو فوائد، كما يحدث مع المتأخرين على السداد، بالإضافة إلى إضافة رصيد إلى الكروت مسبقة الدفع. فإذا افترضنا أن نصف الأسر تحتاج إلى هذه الإعانة، أى نحو 12 مليون مشترك، فستتكلف الحكومة نحو 1.6 مليار جنيه شهريًا بناء على متوسط سعر الكيلووات ساعة الحالى (نحو 65 قرشا)، ومتوسط استهلاك 350 كيلووات ساعة فى الشهر لكل أسرة. مرة أخرى، لن يمثل هذا التأجيل عبئا ماليا كبيرا على الحكومة فى مجمل حزمة الإعانة، كما أنه عبء مرحّل وليس إعانة.
فى هذه الأحوال الاستثنائية، ومع استعداد الحكومة وتوافر الإمكانيات، إنقاذ أكبر قدر من السكان من الإفقار والتشرد يظهر أنه إجراء يقع فى إطار المستطاع، وسيعود على السكان والاقتصاد والصحة العامة بمنافع أكبر بكثير مما يتطلب الإنفاق عليه وإدارته.