أين قانون المسكن الملائم؟!

  • نُشرت في 28 مارس 2017

مقال تم نشره في المصري اليوم، 28 مارس 2017

في الوقت الذي حذرت العالم فيه مقررة الأمم المتحدة للسكن الملائم من ظاهرة تسليع السكن وتحوله إلى سلعة وليس حقا، تمضي الدولة في سن أو تعديل ستة قوانين متعلقة بالسكن في آنٍ واحد دون أدنى اعتراف بالحق في السكن المنصوص عليه في دستورنا والمعاهدات الدولية التي أقرتها مصر.

طرح أعضاء لجنة إسكان مجلس النواب ثلاثة قوانين للنقاش في الأشهر القليلة الماضية لإقرارها خلال الأشهر الجارية. الأول هو تعديل قانون الإيجار القديمباتجاه تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر. والثاني هو تعديل قانون البناء الموحد لتحرير القرى من عدد كبير من قيود البناء. وأخيرًا طرح قانون التصالح مع البناء المخالف، لتقنين الوحدات المخالفة مقابل غرامة قد تكون باهظة أو الحجز على هذه الوحدات في حالة عدم التسديد.

من جهة الحكومة فأرسلت وزارة الإسكان إلى مجلس الدولة مسودة نهائية لقانون جديد للإسكان الاجتماعي يلغي قانون تم سنه سنة 2014، ينظم بناء وطرح الإسكان الاجتماعي والجهات الادارية العاملة عليه. كما أعلن رئيس هيئة تعاونيات البناء والإسكان عن نية تعديل قانون الإسكان التعاوني بغية رفع مساحات الوحدات التي تنطبق عليها قروض الإسكان التعاوني مع رفع قيمة القروض. ورغم موافقة مجلس الوزراء على تعديل اللائحة العقارية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة منذ نحو عام، وهي أكبر جهة تعمل على توفير الأراضي المعدة للبناء في مصر، وبهذا أكبر مسؤول عن العمران والسكن، لم تمرر هذه اللائحة رسميًا بعد.

فيبدو أن عام 2017 هو عام السكن، فمصر دولة طرف في اتفاقية الأجندة الحضرية الجديدة التي تم إقرارها في أكتوبر الماضي، كما أنها وقعت على أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2015 والذى ينص الهدف رقم 11 على «جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع»، وطرحت الحكومة لاحقًا استراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030والتي يهدف محور التنمية العمرانية إلى أن تكون مصر قادرة على تلبية «طموحات المصريين وترتقي بجودة حياتهم». كما تعمل وزارة الإسكان حاليًا على استراتيجية للإسكان وعلى سياسة عمرانية جديدة يفترض أن تنتهي منهما خلال أشهر. ولكن رغم كل هذه التشريعات والخطط، هل 2017 هو عام السكان؟ فمع تسليع السكن لمستوى كارثي حتى وصل الحال أن أكثر من نصف المصريين لا يستطيعون شراء أو تأجير شقق متوسطة السعر، هل تعمل هذه القوانين لرفع المعاناة عنهم والتعامل مع ظواهر تسليع السكن؟ بل قد تفاقم هذه القوانين المشاكل الراهنة، وتتجاهل وضع حلول لأهمها.

قوانين الطرد والاخلاء

يكمن باثنان من القوانين الستة المطروحة خطر الطرد لملايين السكان. فخطر تحرير قانون الإيجار القديم معروف، ورغم عيوبه العديدة وعدم مساواته لأصحاب العقارات، فحالة التحرير التام لسوق العقارات وغياب كفاءة الجهاز الإداري الحالي على تحديد الفقراء المستأجرين لتقديم الدعم لهم، ما هو مصير الملايين من محدودي الدخل والفقراء بعد رفع الإيجارات لأسعار السوق المتضخمة؟

قانون التصالح مع البناء المخالف يمثل الخطر الثاني. ففي مسودة شبه نهائية له تم فرض غرامة على الوحدات المخالفة تمثل أكثر من 30% من إجمالي قيمة بناء الشقة. فلكم أن تتخيلوا أن سكان الشقق التي آوت الفقراء ومحدودي الدخل في ظل سوق السكن المنفلت، ستُفرض عليهم غرامة مالية باهظة بعد تسديدهم دم قلبهم في شراء الشقة، وكل هذا رغم عدم قيام معظمهم بارتكاب المخالفة، بل المقاولون والمطورون الرابحون والذين باعوا هذه الشقق ولن يسددوا مليما من قيمة الغرامة. فمن بين سكان نحو 4.1 مليون وحدة مخالفة تم بنائها بين عامي 2007 و2014، ما عدد الذين سيستطيعون تسديد الغرامة، في الأغلب من خلال الاستدانة المهينة، والأهم، عدد من سيتم طردهم وأسرهم والحجز على شققهم لعدم قدرتهم تسديد الغرامة؟

قوانين الإقصاء والتهميش

فيما أن قانوني تحرير الإيجار القديم والتصالح مع البناء المخالف يمثلان خطرا مباشرا على سكان هذه الوحدات، تمثل اللائحة العقارية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة خطرا مختلفا وكامنا على السكان. ففي ظل اللائحة العقارية الحالية قبل التعديل تحولت المدن الجديدة إلى مدن مغلقة على صفوة من السكان، أو، في الأغلب، مدخراتهم حيث تمثل الوحدات الخالية بها 59% من عدد الوحدات. ففي العقد ما بين عامي 2003 و2013 تضخمت أسعار الأراضي 150% سنويًا، مما أثر بدوره على أسعار العقارات. فيما جاء تعويم الجنيه ليزيد من لهب تضخم أسعار السكن بين 15% و25% منذ نوفمبر الماضي فقط.

كل هذا وكان الغرض المعلن لاستثمار الأموال العامة في المدن الجديدة هو حماية الأراضي الزراعية من البناء، وتوجيهه للصحراء. ولكن مع ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بالإضافة إلى عدم ملاءمة هذه المدن لغالبية المصريين من النواحي الجغرافية والثقافية، تفاقمت ظاهرة البناء المخالف على الأراضي الزراعية، والتي يتجه النظام إلى فرض إتاوة عليه.

وهنا نصطدم بالقانون الرابع، وهو تعديل قانون البناء لتسهيل عملية البناء داخل القرى. فبه رسالة كامنة أن موقع الفلاحين والفقراء هو القرى المحرومة والمكتظة، وليس المدن الجديدة المخدومة والفاسحة. فلماذا التفرقة في المعايير العمرانية بين الحضر والريف، وهى معايير يفترض أنها وضعت لتوفير الحد الأدنى من السكن الآدمي؟ وإن كانت هذه المعايير لا أساس صحي وآدمي لها، فما أساسها؟ هل هو فقط لفرض الرسوم والغرامات؟

أختتم بالقانونين الخامس والسادس المطروحين للنقاش وهما تعديل قانون الإسكان الاجتماعي وقانون الإسكان التعاوني. فهما يمثلان مسؤولية الدولة المباشرة لكفالة الحق في السكن حيث إنهما ينظمان برامج الدولة لدعم السكن. ولكن لمن؟ فاعتماد برنامج الإسكان الاجتماعي على مشروع واحد في الأساس وهو بيع وحدات جاهزة عن طريق التمويل العقاري أقصى نسبة كبيرة من الفقراء والذين يقل دخلهم عن 1400 جنيه شهريا. فالتمويل العقاري المدعم من البنك المركزي غير متوفر لهم. فيما تُعجّز شروط التمويل ثلثي محدودي ومتوسطي الدخل الذين تقبل البنوك مستوى دخلهم ولكن مقابل تسديد 40% من قيمة الوحدة كمقدم. فهم يعملون بالقطاع غير الرسمي أو أصحاب أعمال حرة صغيرة مثل الورش والدكاكين. هذا بالمقارنة مع موظفي الحكومة أو العاملين بعقود رسمية بالقطاع الخاص والذين يحتاجون لتسديد فقط 16% من سعر الوحدة كمقدم. والدليل على ذلك كله أن لأول مرة في تاريخ مشاريع الإسكان المدعم في مصر، كان عدد المتقدمين أقل من عدد الوحدات المطروحة بالإعلان الثامن له، وبنسبة 74%، بدلًا من ضعفها أو أكثر.

أما الإسكان التعاوني فهو إسكان لمتوسطي الدخل منذ عقود، حيث إنه موجه لأصحاب المهن النقابية وموظفي أجهزة الدولة الكبرى. ومع التعديلات المقترحة برفع قيم القروض ومساحات الوحدات، سيصبح فعليا لمن دخلهم فوق المتوسط.

نحو قانون المسكن الملائم
لا يمكن للدولة أن تحترم مسؤولياتها تجاه الحق في السكن دون قانون ينظم جميع التشريعات والممارسات التي تمس السكن. فبالإضافة إلى عملية تسليع الأراضي والسكن الممنهجة، وتهديد الملايين بالطرد بتحرير الإيجارات القديمة وتمرير قانون التصالح مع المخالفات، تخسر آلاف الأسر سكنها كل سنة نتيجة لظاهرة انهيار العقارات، أو التعرض للطرد والتهجير القسري، خاصة الأسر المستضعفة من فقراء وبدو وأقباط.

 

Stay Updated with our Newsletter

اشترك بالقائمة البريدية لتحصل على آخر التحديثات