الإسكان الاجتماعى والعدادات الكودية.. كثيرٌ من التسيس.. قليلٌ من العدالة

  • نُشرت في 28 أبريل 2016

مقال تم نشره في المصري اليوم، 28 أبريل 2016

شهد الشهران الماضيان العديد من التطورات في سياسات العمران والإسكان تبدو للوهلة الأولى أنها تصب في صالح غالبية المصريين، خاصة الفقراء.

توصيل الكهرباء للمبانى المخالفة

أصدر أول الشهر الجارى رئيس الوزراء القرار رقم 886 لسنة 2016الذي يسمح بـتركيب عدادات كودية مؤقتة للمبانى أو الأجزاء منها التي تم بناؤها بدون تصريح بناء لـ«حين تقنين وضعها». تشمل هذه العدادات مرفقى الكهرباء ومياه الشرب يستفيد منها أكثر من 380 ألف وحدة هذه السنة حسب المتحدث باسم وزارة الكهرباء. فهذا القرار ليس جديد كليًا، فقد قامت وزارة الكهرباء بتوصيل نحو 880 ألف عداد كودى في عام 2011/2012، حسب تقريرها لنفس العام، وقامت بتوصيل 303 آلاف عداد هذه السنة المالية حتى إصدار القرار، إلا أنه لم يكن لها سند قانوني للقيام بهذا، حيث إن توصيل المرافق للمبانى المخالفة يمنعه قانون البناء رقم 119 لسنة 2008. ردد المسؤولون، وعلى رأسهم وزير التنمية المحلية، أكثر من مرة أن توصيل هذه العدادات التي تستخدم رقم كودى لتعريفها وليس اسم مالك الوحدة، أنها لن تكون بمثابة تقنين وضع هذه الوحدات غير القانونية.

فقد تساعد هذه الخطوة في زيادة المعروض من الوحدات السكنية مما قد يوازن أسعار العقارات المنفلتة في التضخم، كما يمكن أن يعطى الأسر التي تسكن هذه العقارات بعض من الاستقرار. ولكن، قد تلعب هذه الخطوة في يد القطاع الخاص غير الرسمي والذى سيطرح هذه الوحدات بأسعار أعلى، حيث إن سوق العقارات غير منضبط يتحكم فيه التجار والمضاربون على حساب الأسر الباحثة عن حقها في مسكن ملائم. كما سيظل سكان هذه العقارات راقصون على السلم، ما بين المخالفة والتقنين. فيما من المتوقع إدارة هذه الخطوة نحو 4 مليارات جنيه سنويًا للشركة القابضة للكهرباء مقابل رسوم توصيل العدادات.

 

بناء 400 ألف وحدة إسكان اجتماعي في عام

التطور الثانى هو التوجيه الرئاسي ببناء 400 ألف وحدة إسكان اجتماعي خلال العام المالي القادم، بزيادة نحو أربعة أضعاف المعدل السنوى الحالى. وبدلًا من انتظار انتهاء أجهزة وزارة الإسكان من بنائها، كما فعلت في الإعلانات السبع الماضية منذ عام 2014، تقرر طرح هذه الوحدات للحجز دفعة واحدة، بالإضافة إلى 100 ألف وحدة أوشكت وزارة الإسكان عن إنهاء تنفيذهم هذه السنة، أي حجز 500 ألف وحدة في ثانى أكبر إعلان شهدته مصر عن وحدات مدعمة من الدولة والبنك الدولى. الجدير بالذكر أن الإعلان الأكبر كان لمليون وحدة سكنية في 21 فبراير 2011، ولكن بعد تلقى أكثر من خمسة مليون طلب، قررت الحكومة حين ذك إلغاء الاستمارات وإجبار المتقدمين على التقدم مرة أحرى من خلال الإعلانات السبع للمشروع.

قد يكون تأثير هذا الإعلان الضخم على سوق العقارات في العموم إيجابي، وينتظر البعض خفض أسعار العقارات معه. ولكن الحقيقة المُرة أن أسعار هذه الوحدات زادت 19% دفعة واحدة عن مثيلاتها التي تم حجزها العام الماضي، وبالطبع لم ترتفع الدخول. فزاد سعر الشقة 14% من 135 ألف جنيه إلى 154 ألف، بالإضافة إلى استحداث وديعة صيانة بقيمة 5% من قيمة الوحدة تسدد مع الأقساط. ولم تقف الزيادات هنا، فارتفعت الدفعة الأولى من المقدم 90% من 5000 إلى 9000 جنيه، كما ارتفع إجمالى مقدم الوحدة من 21 ألف جنيه إلى 25 ألف لغالبية المتقدمين (أو ما يمثل 16% من قيمة الوحدة)، مع العلم أنه لم يعلن بعد المقدمات الخاصة بأصحاب الدخول الأدنى من 1400 جنيه شهريًا، والذين قد ترتفع قيم المقدم المطلوب سداده عن هذه القيمة.

إذن هل تم زيادة الدعم؟ لا، فقيمته القصوى مازالت ثابتة عند 25 ألف جنيه، لتقل نسبته من 18.5% من سعر الوحدة إلى 16.2%. كما أن العكس صحيح. فبدلا من دعم الحكومة للفقراء، سيُحصّل صندوق الإسكان الاجتماعى ما بين 4.5 إلى 13.5 مليار جنيه قيمة الدفعات الأولى فقط من مقدمات الحجز، حيث عادة تكون أعداد المتقدمين أكثر من ضعف عدد الوحدات المطروحة، قبل فرزهم حسب الشروط وعمل قرعة على المقبولين.

 

توسيع نطاق مبادرة البنك المركزى للتمويل العقاري

التطور الثالث هو توسيع البنك المركزى مبادرته للتمويل العقاري حسب كتابه الدورى بتاريخ 24 فبراير 2016، بإضافة شريحة أقل وشريحة أعلى، ليصبح هناك أربع شرائح تتزايد فائدتهم حسب الدخل من 5% لمحدودى الدخل، أي الأسرة ذات دخل شهرى ما بين 1000 إلى 1400 جنيه، ثم 7% لمحدودى الدخل (1400 إلى 3500 جنيه)، فـ 8% لمتوسطى الدخل (3500 إلى 10 آلاف جنيه)، و10.5% لفوق المتوسط (10 آلاف جنيه إلى 20 ألف جنيه)، مع حدود مختلفة لأسعار الوحدات. فشريحتي محدودى الدخل تصلحا لمشروع الإسكان الاجتماعي، حيث يمكن لأول تقدم من ذوى الدخول أقل من 1400 جنيه، ولكن بحد أدنى 1000 جنيه، فهو غير متاح للأكثر فقرًا. ولكن هذه مجرد إتاحة نظرية، حيث تتطلب شروط التمويل العقارى إثبات الدخل، وهو ما يكاد أن يستحيل إثباته لثلثلى القوة العاملة الذين لا يحظون على وظائف ثابتة ومؤمن عليهم، أو عليهم تحمل تكلفة بوليصة تأمين ضد المخاطر، لا يتحملها من يستطيع إثبات دخله. كما أن على الفقراء تحويش كامل دخلهم لنحو سنتان أو أكثر، لتسديد مقدم حجز الوحدة. فبالطبع لا أحد يستطيع تحويش كامل دخله، خاصة الفقراء، مما سيدفعهم لتدبير هذه المقدمات سواء عن طريق المنح من الأقرباء أو أصحاب العمل، أو السلفة الودية، أو، وهذا أغلب الظن، الاستدانة بضمان شيكات أو كمبيالات، مما يكبلهم بمسؤولية تسديد دينان في نفس الوقت؛ أقساط التمويل العقاري، بالإضافة إلى أقساط سلفة مقدم الحجز.

 

تتمة: لا تبدو مشجعة

تبدو أن هذه التطورات الثلاثة في مجال الإسكان تعود بالنفع على قطاع واسع من المواطنين يصل عددهم إلى نحو 880 ألف أسرة، فإنها في ذات الوقت مناورات سياسية ذكية لإحتواء تذمر شعبي كامن، بالإضافة إلى توفيرها لسيولة مالية للأجهزة الحكومية المعنية في لحظة حرجة.

ولكن من منظور سكان هذه الوحدات، قد تكون هذه التطورات غير مشجعة. فآلاف الأسر التي ستسكن بالمساكن المخالفة ذات العدادات الكودية، سيعيشون في ظل خطر الإخلاء في أي وقت أو تكبد مبالغ إضافية لتقنين وضعهم. فقد قامت لجنة الإسكان بمجلس النواب بفتح النقاش مؤخرًا في إعادة احياء قانون التصالحمع البناء المخالف وفرض الغرامات على الوحدات. فهذه الغرامات ستكون قيمتها باهظة وستطبق على من في حيازته الوحدة وقت التطبيق، أي من قام ببنائها أو من قام بشرائها. كما أن قرار وزير الزراعة رقم 615 لسنة 2016 الجديد الخاص بتعديل ضوابط البناء على الأراضى الزراعى قد ينتهى إلى إزالة نسبة غير قليلة من المبانى التي تم توصيل الكهرباء لها.

أما الأسر التي ستتقدم لوحدات الحكومة الرسمية، فبخلاف رفع أسعارها أضعاف أي ارتفاع في دخولهم، هناك خطر تأخر الحكومة في تسليم وحداتهم مثلما حدث بمشروع الإسكان القومى السابق، حيث لا تزال آلاف الأسر منتظرة تسليم وحداتهم منذ عامى 2007 و2008 من تسع سنوات مضت. فيما من المتوقع تعسف نسبة من المتقدمين عن سداد أقساط التمويل العقاري والتى تلتهم أكثر من 35% من دخلهم الشهرى، وتعرضهم للطرد، أو الحبس لمن استدان بالكمبيالات لتسديد مقدم الحجز ولم يسدد الدين.

فبدلًا من وضع سياسة إسكان عادلة تحمى الفقراء وتكبح جماح انفلات أسعار السكن، مضت الحكومة من خلال توصيل العدادات الكودية وبرنامج الإسكان الاجتماعي في تسليع السكن وتوفير إتاحة مشروطة وغير مستقرة.

Stay Updated with our Newsletter

اشترك بالقائمة البريدية لتحصل على آخر التحديثات