قانون التصالح الجديد – موجز تحليلي

  • نُشرت في 13 يوليو 2024

في السابع عشر من ديسمبر 2023، تم التصديق على قانون التصالح في مخالفات البناء رقم 187 لسنة 2023، الذي طال انتظاره. يُقنِن القانون عدة فئات من المباني غير الرسمية والبناء في المناطق الريفية والحضرية في جميع أنحاء مصر. يعد القانون الجديد بمثابة إعادة صياغة جوهرية للقانون رقم 17 لسنة 2019، الذي أُقِرَّ قبل أربع سنوات، ولكنه لم يفِ بدوره. فرغم تقديم حوالي 2.9 مليون طلب تصالح، ما يمثل من ثلاثة إلى تسعة ملايين وحدة، إذ قد يشمل الطلب الواحد مبنى به عدة وحدات، وحسب وزير التنمية المحلية فإن 90% من الطلبات المقدمة لم تصدر لها قرارات بالقبول أو الرفض، حيث تمت الموافقة على 6% فقط من الطلبات ورُفِض 4% منها.

 

إطلع على أرشيف مرصد العمران القانوني

 

هنا سنّ القانون رقم 187 ولائحته التنفيذية المنشورة في 4 إبريل 2024، عدة مواد توسع نطاق المخالفات التي يمكن التصالح عليها وتعالج بعض أوجه القصور في القانون السابق. يُعد هذا مؤشرًا واضحًا على حرص الحكومة على جذب حصة أكبر من المتقدمين المحتملين وتحصيل مزيد من رسوم التصالح، في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من عجز متوقع في الميزانية قدره 1.2 تريليون جنيه وتراكم الديون.

 

مع ذلك، في السنوات التالية بين الطلبات الأصلية المُقدمة في السابق وإصدار هذا القانون الجديد، هدمت الحكومة أحياء بأكملها بشكل تعسفي على نطاق غير مسبوق، وكان بعضها مواقع تراثية، ما أدى إلى تهجير ونقل ما يقدر بنحو 14% من سكان القاهرة الكبرى لإفساح المجال لمشاريع تطوير البنية التحتية والاستثمار العقاري. لذلك، رَغم فتح باب تقنين المساكن غير الرسمية، فإن التأخر في التقنين أدى إلى ضياع حقوق عديد من السكان.

يركز موجز التطورات هذا في تطورات القانون الجديد والعقبات التي لم يتم حلها، بدايةً بملخص لأبرز النقاط الرئيسية ثم التعمق في تفاصيل بعض هذه النقاط، وتحديدًا الفئات المضافة من المخالفات القابلة للتصالح، وخطط تسديد مقابل التصالح الجديدة، وقابلية تحمل تكاليف المستندات المطلوبة والخطوات التالية للمتقدمين بموجب القانون 17 القديم. يستند التحليل إلى دراسة مقارنة الإصدارات الثلاثة من قانون التصالح ولائحته التنفيذية، ومراجعة الصحف القومية، وآراء بعض الخبراء.

 

ملخص أبرز التعديلات على القانون

– التعديل التشريعي الملحوظ هو تغيير إجرائي كبير في عملية تقييم اللجنة. لم تعد لجان اتخاذ القرار ملزمة بإجراء زيارات ميدانية لمعاينة المخالفات قبل اتخاذ قرار بقبول أو رفض طلبات التصالح. صارت عملية التقييم تستلزم مراجعة المستندات، مع افتراض حسن النية، من دون الحاجة إلى عملية تفقُّد الموقع التي تستغرق وقتًا طويلًا. ويمكن للجنة معاينة موقع المخالفة خلال خمس سنوات من الموافقة على التصالح، حيث يمكن لها إلغاء التقنين إذا كان الوضع الفعلي مختلفًا عمَّا تم تصويره في المستندات (ملحق، المادة 10). ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل الوقت الذي تستغرقه العملية بشكل كبير.

 

– يقدم القانون الجديد نطاقًا أوسع للتوفيق بين فئات جديدة من مخالفات البناء التي لم يكن مسموح بها بموجب التشريعات السابقة. في الواقع، ذهب رئيس لجنة الإسكان في البرلمان المصري إلى حد الزعم بأن القانون الجديد سيسمح بتقنين 80% من جميع مخالفات البناء القائمة.

 

– القانون 187 لا يخفض رسوم التصالح، بل يقدم مزيدًا من خطط الدفع، مع إتاحة تخفيضات، بالإضافة إلى خطط تقسيط على فترات تصل إلى خمس سنوات، الثلاث الأولى منها بدون فوائد. بينما سمح القانون  للمحافظين بتحديث الرسوم في جميع أنحاء الجمهورية مقارنة بتلك التي تم إقرارها في عام 2020.

– فيما يتعلق بالجدول الزمني للبَت في الطلبات، يجب على اللجنة اتخاذ قرارها خلال ثلاثة أشهر من استلام الطلب، كما يجب على المتقدمين تسليم جميع المستندات الإضافية (استيفاء البيانات) خلال ستين يومًا من إخطارهم بذلك.

 

– من الأمور الأساسية التي لم يتم حلها بعد، تحديد مسؤولية تطبيق التصالح في حالة المباني غير المرخصة. فما زال مُبهمًا ما إذا كان المسؤول هو المالك الأصلي، الذي ارتكب المخالفة أساسًا أثناء البناء، أم المالك الحالي، الذي اشترى العقار من دون علمه بالضرورة بالمخالفة.

 

– توجد عقبة أخرى أمام المتقدمين المحتملين وهي غموض عملية التصالح بالنسبة إلى أصحاب الشقق الفردية في المباني متعددة الوحدات وغير المرخصة. فبدلًا من معالجة حالة أصحاب الوحدات الفردية بشكل صريح، تشير المادة 10 من القانون الجديد إلى قدرة مالكي الوحدات الفردية على إعادة المرافق الأساسية، في حالة قبول التصالح، ولكن لم ينص القانون على تقدم ملاك العقار منفردين أو مجتمعين، ما يترك مجالًا كبيرًا للغموض. لكن ارتفاع تكلفة التقارير الهندسية اللازمة للمباني الكبيرة قد يدفع الأغلبية إلى التقدم مجتمعين.

 

توسيع نطاق المخالفات القابلة للتصالح

كما هو موضح في المادة 2، فإن القانون 187 يتيح تقنين عدد كبير من المخالفات التي لم يكن من الممكن التصالح عليها في السابق. وتشمل هذه المباني المدرجة في قائمة التراث (المباني ذات القيمة)، والمباني في المناطق التراثية المحمية (المناطق ذات القيمة)، والمباني المقامة على خطوط التنظيم المعتمَدة (الطرق العامة)، والمباني التي تتعارض مع أسقف الطيران المدني حول المطارات (القانون رقم 28 لسنة 1981). ومع ذلك، فإن إدراج هذه المخالفات أضاف خطوة إلى الإجراءات المطلوبة من مقدمي الطلبات، إذ صاروا في حاجة إلى الحصول على موافقات إضافية من الهيئات الحكومية المعنية كجزء من طلباتهم، ما يضيف مزيدًا من البيروقراطية إلى عملية شاقة بالفعل.

 

فمثلًا، إذا كان مقدم الطلب يسعى إلى التصالح على مخالفة في أحد المباني المدرجة على قائمة التراث، فيجب عليه الحصول على موافقة من الجهاز القومي للتنسيق الحضاري (المادة 2). تنص المادة 5 (13) من اللائحة أيضًا على وثائق إضافية، مثل خريطة من الحي أو السلطات الأخرى المعنية، توضح موقع المخالفة فيما يتعلق بخطوط التنظيم.

 

في حالات التقدم لتقنين المباني المخالفة لسقوف الطيران المدني، يجب عليهم الحصول على موافقة وزارة الطيران المدني ووزارة الدفاع. تنص المادة 5 (12) من اللائحة أيضًا على أنه يجب على المتقدمين تقديم تقرير يفيد بالقياس الدقيق لأعلى نقطة في العقار من هيئة المساحة المصرية أو إدارة المساحة العسكرية وإحداثيات المبنى من الحي أو السلطة المختصة.

 

ووفقًا للمادة الرابعة، يجوز لمجلس الوزراء الموافقة على التصالح رغم عدم توافر الشروط في حالات استثنائية تمس الصالح العام. وفي هذه الحالات، يمكن أن تصل القيمة المالية للتصالح إلى ثلاثة أضعاف القيمة الأصلية. كما يُقَيِّم مجلس الوزراء المخالفات في حالات المباني خارج الأحوزة، ما كان ضروريًّا كي لا يُترك القرار لتقدير “الموظفين من المستوى الأدنى”، بحسب تصريح رئيس لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب، المهندس أحمد السجيني.

 

لا تخفيض للرسوم، خطط تقسيط وسداد جديدة

 

أحد الأسباب التي ساهمت في ضعف الإقبال على قانون التصالح رقم 17 هو التكلفة الباهظة لرسوم التصالح. وبموجب القانون الجديد، زاد الحد الأقصى لسعر المتر لرسوم التصالح بمقدار 500 جنيه (صار 2500 جنيه)، وتتراوح رسوم الطلب بين 500 و5000 جنيه، بحسب مساحة المخالفة وموقعها، سواء كانت في منطقة حضرية أو صناعية أو ريفية. لا يزال يتعين على المتقدمين أيضًا دفع 25% من إجمالي رسوم التسوية المقدرة لتأكيد الجدية عند التقديم.

 

يقدم القانون الجديد خيارات دفع جديدة لرسوم التصالح، لا سيما خطط التقسيط التي تصل إلى خمس سنوات، على أن تكون السنوات الثلاث الأولى بدون فوائد (المادة 8). تعتبر رسوم إثبات الجدية التي تبلغ 25% من الرسوم بمثابة دفعة أولى لمقدمي الطلبات الذين يدفعون على أقساط، ويتم تحصيل القسط الأول بعد ثلاثة أشهر (اللائحة، مادة 12). يتم سداد جميع خطط التقسيط على دفعات ربع سنوية متساوية (اللائحة، مادة 12). في حال اختيار خطة التقسيط لمدة أربع سنوات، تكون الفائدة 5% من المبلغ المتبقي (اللائحة، مادة 12). في حال اختيار خطة مدتها خمس سنوات، تكون الفائدة 7% من المبلغ المتبقي (اللائحة، المادة 12). يعد هذا توسيعًا لخطة التقسيط بدون فوائد لمدة ثلاث سنوات التي قدمها تعديل عام 2020، ولا يزال أقل بكثير من أسعار الفائدة التجارية الحالية البالغة 28.25%.

 

أما بالنسبة إلى التخفيضات على رسوم التصالح، فإن المتقدمين الذين يسددون المبلغ كاملًا خلال ستين يومًا من تاريخ الموافقة على التصالح يحصلون على خصم بنسبة 25%. يمنح هذا امتيازات للمتقدمين ممن يمكنهم تدبير مبالغ كبيرة من المال بسرعة، وليس المتقدمين من ذوي الدخل المنخفض.

 

المستندات الداعمة

هناك أيضًا مسألة عدم القدرة على تحمل تكاليف المستندات الداعمة، ولا سيما التقرير الهندسي، الذي بموجب القانون الجديد يسمح للمهندسين المسجلين بالنقابة بإعداد تقارير السلامة الإنشائية إذا لم تتجاوز مساحة المخالفة مئتي متر مربع وارتفاعها ثلاثة طوابق. أما المباني الأكبر من ذلك فيجب اشتراط أن تحضر التقرير شركة هندسية استشارية. إلا أن تأثير ذلك في تخفيض رسوم التقرير الإنشائي بشكلٍ كافٍ غير واضح. هنا سيستفيد المتقدمون من المناطق الريفية بشكل رئيسي، حيث المنازل الصغيرة، أما معظم حالات المباني غير الرسمية في المناطق الحضرية فهي غير مؤهلة للاستفادة بهذا التعديل.

الخطوات التالية للمتقدمين الذين سجلوا طلباتهم بموجب القانون 17

تختلف الخطوات التالية للمتقدمين بموجب القانون 17 وفقًا لمرحلة التقديم التي بلغوها. سيتم إحالة المتقدمين الذين ما زالوا في انتظار قرار اللجنة إلى اللجان الجديدة المُشَكَّلة بموجب القانون 187 الجديد وسيخضعون لمواده، مع الحفاظ على نفس سعر المتر المنصوص عليه في القانون القديم. فلن يضطر هؤلاء المتقدمون إلى دفع رسوم إثبات الجدية أو رسوم الطلب مرة أخرى. أما من رُفضت طلباتهم حسب القانون القديم، فيسمح القانون 187 لهم بإعادة تقديم الطلب لإعادة النظر فيها بموجب المواد الجديدة.

 

استمرارًا للمعضلة البيروقراطية التي تلقاها كإرث من سابقه، يأتي قانون التصالح الجديد بمجموعة نماذج خاصة به، تحدد المرحلة التي وصل إليها مقدم الطلب من عملية التصالُح. يحل نموذج 8 محل نموذج 10، ليصبح النموذج الوحيد الذي يحدد حالة التسوية (مرفوضة أو ملغاة أو مقبولة)، وفقًا للمادة 12 من اللائحة. يحصل مقدمو الطلبات ممن لديهم طلبات كاملة ومقبولة ويدفعون بنظام التقسيط على نموذج 8 بعد دفع المبلغ كاملًا. بينما يحصل المتقدمون ممن يدفعون بنظام التقسيط على نموذج 7 مؤقتًا لضمان استمرار عمل مرافق المياه والغاز والكهرباء. إن الحصول على نموذج 7 بموجب التشريع السابق يشير إلى فشل طلب التصالح، الأمر الذي قد يكون مُربكًا إلى حد ما للمتقدمين الذين يعيدون التقديم أو يواصلون رحلة التصالح الخاصة بهم.

 

خاتمة

بعد ثلاث سنوات من إعادة الصياغة، يَعِدُ قانون التصالح في مخالفات البناء الجديد بمعالجة عديد من العوائق التي فرضها القانون رقم 17 وتعديلاته لتحسين إقبال المتقدمين المحتملين. ومع ذلك، فإن الآثار العملية لقانون التصالح الجديد تظل غير معروفة حتى يتم تنفيذ الإطار الجديد، فبعض أوجه القصور واضحة بالفعل. بشكل أساسي، لا يعالج القانون 187 بشكل كامل المخاوف المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف، بل يقدم خطط تقسيط جديدة بالفوائد وخصم 25٪ لمقدمي الطلبات الذين يستطيعون دفع رسوم التصالح في غضون 60 يومًا من إبلاغهم بقبول الطلب.

 

ومع انخفاض قيمة الجنيه والتضخم غير المسبوق، شهدت الأسر ذات الدخل المنخفض زيادة كبيرة في قيمة  الإنفاق على الغذاء، حيث ارتفعت من 45% إلى 69% بين عامي 2015 و2020. وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى مستويات هائلة، مع ارتفاع أسعار الدجاج بنسبة 212% والفول بنسبة 157% بين عامي 2022 و2024. ويتفاقم ذلك بسبب رفع الدعم عن الخبز وتوقع رفع الدعم عن السكر. ويتجاهل القانون الجديد تأثير الصعوبات الاقتصادية المتفاقمة في قدرة الأفراد ذوي الدخل المنخفض على تحمل غرامات التصالح الباهظة وغيرها من الرسوم بينما يكافحون من أجل دفع ثمن الغذاء الأساسي.

 

لا يقدم القانون الجديد مساعي لحل معضلة من المسؤول عن التقدم بطلب التصالح: مالك المبنى الأصلي أم مالكو الوحدات. كما فشل القانون في توفير سبل مناسبة يلجأ إليها أصحاب الوحدات الفردية المثقلين بغرامات التصالح الكبيرة ونفقات التقارير الهيكلية.

 

لم يتم تحديد مصير الطلبات المرفوضة، والمتقدمين الذين ألغيت إجراءات التصالح معهم لعدم الالتزام بجدول السداد، وأصحاب الوحدات الذين لم يتقدموا بطلب التصالح ولكنهم يعيشون في مبانٍ أنهى مُلاك آخرون إجراءات التصالح فيها. وأكد النائب أحمد سجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية، أن القانون طوعي ولا يترتب عليه أي آثار عقابية. ونظرًا إلى تاريخ الحكومة في إصدار قرارات نزع الملكية والإزالة، فلا يزال امتناع السلطات عن اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات غير مؤكد، خاصة في ضوء وجود ما يقدر بنحو 8.2 مليون مسكن مخالف، ستأتي العقوبات بتكلفة اجتماعية كبيرة. بناءً على هذه الملاحظات المبكرة، بدلًا من المبالغة في إضفاء الطابع الرسمي، قد يمثِل القانون الجديد عائقًا أكبر، خاصة بالنسبة إلى ذوي الدخل المنخفض وذوي الأوضاع غير المستقرة ممن لا يملكون الموارد المالية اللازمة لدفع الغرامات، أو تعيين محامين للتعامل مع التعقيد البيروقراطي المتزايد.

 

اقرأ المزيد عن تاريخ مصر الطويل في تقنين المباني غير الرسمية

 

Stay Updated with our Newsletter

اشترك بالقائمة البريدية لتحصل على آخر التحديثات