- نُشرت في 25 مارس 2019
شاركت وزارة الإسكان مؤخرًا في ندوة جامعة الدول العربية بعنوان “الحق فى السكن اللائق” والتي قدمت فيها جهود الوزارة المبذولة تجاه تحقيق الحق فى السكن اللائق، وكانت من ضمنها “إستراتيجية الإسكان” والتي لازالت قيد التجهيز. ما هي إستراتيجية الإسكان، وما أهميتها؟ ينشر مرصد العمران شرح موجز بالإضافة إلى تعقيب على مسودة “إستراتيجية الإسكان”، والذي تم تقديمه بجلسة النقاش التي عقدتها وزارة الإسكان في مايو 2018، لتسليط الضوء على أهمية الإستراتيجية وكيفية تطويرها لتحقيق الحق في السكن اللائق.
لقراءة التقرير النهائي لـ”إستراتيجية الإسكان في مصر” المنشور في سبتمبر 2020 إضغط هنا
ما هي إستراتيجية الإسكان؟
إستراتيجية الإسكان هي الوثيقة الرسمية التي تحدد إطار عمل وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية في مجال الإسكان على المدى القصير، والمتوسط والطويل. قام بتحضيرها قطاع الإسكان بوزارة الإسكان، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (هابيتات) المكتب الإقليمي للدول العربية، وكتبها خبيرا الإسكان: ديفيد سيمز، وحازم عبد الفتاح.
ما هو دور الإستراتيجية؟
حسب المسودة النهائية لإستراتيجية الإسكان (التي لا زالت قيد المراجعة ولم تنشر بعد)، تحددت وظائف عدة لها ومن بينها: توضيح رؤية الحكومة ونهجها حول حل مشاكل الإسكان، وإشراك مختلف الجهات المعنية، ورفع مستوى الوعي لدى السلطات المركزية والمحلية فيما يخص أهداف قطاع الإسكان.
كما توضح المسودة تلبية الإستراتيجية لمطلب دستوري جاء في مادته 78، والتي ألزمت الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان. هذا بالإضافة إلى تلبية عدد من المسئوليات الدولية ومنها أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لسنة 2030 (الهدف 11.1، ضمان حصول الجميع على مساكن وخدمات أساسية ملائمة وآمنة وميسورة التكلفة… بحلول عام 2030)، والأجندة الحضرية الجديدة (14- أ الالتزام بإتاحة سكن لائق وميسور التكلفة).
ماذا هي أهداف الإستراتيجية؟
على هذا النحو، تتبنى الإستراتيجية عدة مبادئ، أهمها أن “كافة المواطنين يتمتعون بالحق في الحصول على مسكن ملائم” والعدالة الاجتماعية، والاندماج الاجتماعي (خَلْق مجتمعات متعددة الشرائح الاجتماعية)، ومساعدة غير القادرين على إيجاد مسكن، وحرية الاختيار والتنقل.
ترجمت الإستراتيجية هذه المبادئ إلى هدف رئيسي وهو “تمكين كل مواطن من إدراك حقه في أن يسكن ويحيا حياة لائقة في بيئة مستقرة وآمنة وبها خدمات جيدة، دون التمييز على أساس اختلاف الفئات الاجتماعية وشرائح الدخل، وخاصة ضمان سكن كريم للفئات التي لا يمكنها توفير مسكن لأنفسها.” وانبثقت من الهدف الرئيس أربعة أهداف فرعية (المساواة الاجتماعية، إعانة الفقراء، الكفاءة الاقتصادية، والاستدامة)، وتم عمل ثلاثة محاور رئيسة لتحقيقها، بالإضافة إلى 16 مكونًا تفصيليًّا سيتم شرحهم.
ما هي نقاط القوة بالإستراتيجية؟
وجود إستراتيجية قومية للإسكان من عدمه أمر عملي في المقام الأول. فمن الصعب إدارة عشرات الجهات التابعة للدولة والمعنية بالإسكان ومن بينها صناديق وهيئات وبنوك، لتلبية متطلبات السكن بدون خطة واضحة وبرنامج مُلزم. هذا بخلاف توجيه ومراقبة القطاع الخاص، الرسمي وغير الرسمي، اللذين يمثلان نحو 90% من إنتاج المساكن في مصر. فغياب الإستراتيجية أدى إلى تنافس العديد من هذه الجهات بعضها مع بعضٍ ومع القطاع الخاص، وعدم الكفاءة في توجيه الدعم، والازدواجية في الأدوار، مع تفاقم أزمة حادة أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل منفلت، جعلها خارج متناول أكثر من نصف الأسر، وأدى إلى سكن الغالبية منهم في مساكن غير ملائمة.
كما تتميَّز إستراتيجية الإسكان الجديدة عن سياسات الإسكان القائمة بالتركيز على حلول لأزمة المساكن بعيدة عن منظومة بناء الحكومة للمساكن الجاهزة.
فالمحور الأول معني بـ”الرصيد السكني القائم”، وبه عدد من نقاط القوة:
مكونه الأول معني بـ”تحسين سوق الإيجار” وإعادة التوازن بين حقوق والتزامات الملاك والمستأجرين، وهو ما يشهد ضمورًا وتراجعًا في دوره في توفير مساكن ملائمة بأسعار مناسبة (راجع تحليل أحوال الإيجار في مصر).
ذهب المكون الثاني إلى “تقليل عدد الوحدات الشاغرة” والتي تخطت 11 مليون وحدة حسب تعداد 2017، وهو عدد يكفي نظريًّا لتسكين جميع الأسر المكونة حديثًا لمدة الـ 18 عامًا القادمة بدون بناء وحدات جديدة. فالوفورات في الموارد الطبيعية من مياه وطاقة، والعملة الصعبة لشراء الطاقة، وتصدير مواد البناء، والتلوث الناتج عن عملية البناء، يتطلب تدخلًا فعَّالًا لتقليص هذه الظاهرة شبه الفريدة. طرح المكون تحفيز ملاك الوحدات لبيعها أو تأجيرها من خلال قروض لتشطيبها، وإنشاء شركات لإدارة عملية الإيجار، وخفض الضريبة العقارية عليها.
تعامل المحور الثاني مع “توفير الإسكان الجديد” بعدد من التوصيات الفريدة، ومنها:
توفير أراضٍ رسمية ومرَفَّقَة بسعر ميسور (المكون 8)، وتسهيل عملية البناء بالقرى والمدن الصغيرة (المكون 9) (انظر تحليل العشوائية القصرية).
لكن أهمها كان تقليص دور الدولة في بناء مساكن جديدة، والتحول إلى دعم الأسر الفقيرة في إيجار أو شراء مساكن خاصة قائمة (المكون 10 و12)، حيث في ظل الفائض الكبير من الوحدات الخالية، وتعقيد عملية بناء الحكومة للسكن (راجع حقائق الإسكان الاجتماعي)، تظهر أهمية هذا الاتجاه.
جاء المحور الثالث والأخير لـ”إدارة قطاع الإسكان” من خلال:
رفع كفاءة الجهات المعنية والتنسيق بينهم، وتطوير قواعد البيانات والأبحاث الخاصة بمجال الإسكان، وهي بالفعل تحتاج إلى المزيد من المعلومات والتفاصيل، والتحديث الدوري. فعلى سبيل المثال، لا توجد قواعد بيانات خاصة بأسعار المساكن والإيجارات على أي مستوًى، خاصة المحلي، وهي أداة مهمة لمساعدة المقبلين على شراء أو إيجار وحدات على معرفة الأسعار العادلة، ومتابعة الحكومة لها، وتحديد نسب الدعم المطلوبة للمتقدمين إلى برامجها.
ما هي نقاط الضعف في الإستراتيجية؟
مع التقدم الملحوظ لإستراتيجية الإسكان على السياسات الحالية، غابت بعض النقاط الحتمية لتحقيق هدف توفير المسكن الملائم للجميع، وضعفت بعض النقاط الأخرى.
غياب آلية لضبط أسعار العقارات:
من أهم النقاط الغائبة، كانت آلية لضبط أسعار العقارات، سواء الإيجار أو الشراء. فتآكل القدرة على تحمل التكاليف والتي تعاني منها أكثر من نصف الأسر المصرية، تعد العامل الرئيس وراء لجوء الملايين إلى سكن غير ملائم. كما أن السياسات القائمة والمشجعة على تسليع العقارات، ستظل قائمة تحت هذه الإستراتيجية والتي لم تحدد آليات صريحة لتغييرها. فاستمرار سياسات تسليع السكن ستؤثر سلبًا على مكونات الإستراتيجية التقدمية، خاصة فيما يخص توفير الأراضي ميسرة التكلفة، أو الدعم النقدي لشراء أو إيجار مساكن خاصة، لأن تضخم الأسعار المنفلت، سيرفع من فاتورة الدعم، ويجعل من الأراضي والعقارات ميسرةِ التكلفةِ مطمعًا للسماسرة والتجار.
مدارات زمنية خاصة بالإستراتيجية:
من المكونات الضعيفة في الإستراتيجية، عمل مدارات زمنية خاصة بها، وغير متصلة بإستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، وهى تعتبر الإستراتيجية القومية الرئيسة التي ينبغي خضوع الإستراتيجيات القطاعية المختلفة لها، وبناء الإستراتيجية القومية عليها لضمان تحقيق أهداف كل منهما.
تنظيم الحيازة مبني فقط على التمليك:
جاء المكون 5 الخاص بتنظيم الحيازة (غير الرسمية) مبنيًّا على آلية واحدة، وهى التمليك، والتي تشير عدة دراسات إلى محدوديتها في تحقيق الأهداف المرجوة، ومنها أمن الحيازة وتوصيل المرافق.[1]
افتقر “المكون 7 -إعادة التوطين” إلى تشريعات تحمي حقوق السكان محل عمليات إعادة التوطين.
ما يمكن عمله لتحسين الإستراتيجية
أولًا: تعديل المكونات القائمة:
1.1 المكون 1 الإيجار:
لا بد من الدعم الرسمي لسبل حل النزاعات خارج المحاكم نظرًا إلى طول فترات التقاضي، وذلك من خلال دعم منظمات المجتمع المدني القائمة، ودعم إنشاء منظمات جديدة، تقوم بالتوعية حول حقوق المستأجرين والملاك، وتوفير آلية مجتمعية لحل المنازعات، خاصة في ظل “المكون 6 – تقليص الإيجار القديم”.
لا بد من إيجاد آلية لضبط سوق الإيجار نظرًا إلى انفلات أسعاره (انظر ثانيًا- أ).
1.2 المكون 5 الحيازة:
من الأفضل التركيز هنا على الاعتراف بالحيازة غير الرسمية وشبه الرسمية، وليس الاعتماد الرئيسي على التمليك، وهذا من خلال آليات عدة منها الملكية الجماعية، والتعاونية، وحق الانتفاع والايجار.[2]
1.3 المكون 6: تقليص الإيجار القديم:
يجب تناول هذا المكون بحرص نظرًا إلى استفادة العديد من الأسر الفقيرة وغير المستقرة منه، ودوره في الاندماج الاجتماعي، حسب التوصيات الأولية للمقال التحليلي “الإيجار القديم… محاولات مستمرة للنجاة (للعيش) في المدينة.”
1.4 المكون 7: إعادة التوطين:
يجب سَنُّ تشريع خاص لعمليات التطوير العمراني، خاصة التي تنص على إعادة التوطين، لحماية حقوق السكان نظرًا إلى ضعف التشريعات القائمة، مثل قانون نزع الملكية، ومواد إعادة التخطيط بقانون البناء في حماية حقوق السكان.
1.5 المكون 10: دعم الإيجار
مكوِّن مهم وقد قدم مرصد العمران آلية أكثر تفصيلًا تحمي المستأجرين من تضخم أسعار السوق، مع الحفاظ على حقوق المُلاك. راجع تقرير: “ست حقائق عن مشروع الإسكان الاجتماعي”
ثانيًا: إدخال مكونات جديدة إلى محور توجيه قطاع الإسكان
2.1 إعادة هيكلة وزارة الإسكان لتصبح مراقبًا على السوق:
من الأفضل أن تضم الإستراتيجية خطة لإعادة هيكلة وزارة الإسكان لترسخ دورها الخدمي والاجتماعي وتعمل كمراقب على سوق السكن والعقارات، ومنسق لأعمال دعم السكن للأسر غير القادرة على تحمل أعبائه. من بين أنشطة هذا المكون المقترح، تأسيس هيئة رقابية لحماية السكان (مُلاك ومستأجرين)، وتخارج الوزارة من أنشطة الاستثمار العقاري (راجع الفقرة القادمة).
2.2 إعادة هيكلة الجهات المعنية بالإسكان:
توصية إستراتيجية الإسكان بتقليص دور الدولة في بناء المساكن المدعمة تطرح حتمية إعادة هيكلة العشرات من الجهات الحكومية والشركات التابعة التي تعمل في مجال الإسكان. فمن بينها جهات تقوم ببناء الإسكان المدعَّم، وجهات تقوم ببناء إسكان هادف إلى الربح، وجهات تقوم بالاثنين معًا. كما تقوم عدد من الجهات بتمويل الجهات القائمة على البناء، سواء بقروض ميسرة أو منح أو استثمارات، بالإضافة إلى جهات أخرى تقوم بتمويل العملاء بالقروض الميسرة والتمويل العقاري والمنح لشراء وحدات هذه الجهات. من الحتمي تواجد منافسة وازدواجية في المسئوليات[3]، مع التغطية الجغرافية غير العادلة (تزاحم في بعض المحافظات، وقصور في أخرى).
لذا، لا بد أن تضم الإستراتيجية خطة قصيرة، ومتوسطة وطويلة المدى تهدف إلى إعادة هيكلة هذه الجهات، وفصل الأنشطة المتضاربة. هذا من خلال توحيد (ضم) الجهات الرقابية على المستوى المركزي، وتوزيع المهام التنفيذية على المستوى المحلي مع إخضاع الشركات العاملة في مجال الاستثمار العقاري إلى منظومة الضرائب المطبقة على القطاع الخاص، وفصل الأنشطة التمويلية عن كل هذه الجهات وإخضاعها إلى منظومة موحدة المعايير.
2.3 ضبط ومراقبة سوق العقارات لحماية القدرة الشرائية للسكان:
بالإضافة إلى دور وزارة الإسكان في ضبط سوق العقارات، يتحتم على الإستراتيجية القومية للإسكان أن تحدد أدوارًا على المستوى الحكومي أيضًا لإتاحة المسكن الملائم للسكان. من بين السياسات المهم تنفيذها على المستوى القومي لضبط سوق العقارات:
- تراجع الحكومة عن جميع السياسات التي تشجع على تسليع السكن وتدويل سوق العقارات، وعلى رأسها سياسة ما يسمى بـ”تصدير العقار”.
- إعادة هيكلة ضرائب التصرفات العقارية، لتقلل من ظاهرة المضاربة العقارية.[4]
- إعادة هيكلة الضريبة العقارية لتلعب دورًا اجتماعيًّا/خدميًّا.[5]
- إعطاء مزايا ضريبية للإيجار الخاص.[6]
- فتح وتشجيع وتحفيز مجالات أخرى غير عقارية وآمنة للاستثمار خاصة للأفراد والمقيمين منهم بالخارج.
شكر وعرفان
شكرًا للمهندسة نفيسة هاشم، وكيل أول وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، رئيس قطاع الإسكان والمرافق، لدعوتنا لتقديم المقترحات حول الإستراتيجية
كتابة: يحيى شوكت
مراجعة لغوية: أحمد الشبيني
الصورة الرئيسية: مشروع إسكان جديد بمدينة العبور، 2012. مرصد العمران.
المراجع والملاحظات
[1] Geoffrey Payne, Alain Durand-Lasserve, and Carole Rakodi, “The Limits of Land Titling and Home Ownership , The Limits of Land Titling and Home Ownership,” Environment and Urbanization 21, no. 2 (October 1, 2009): 443–62, https://doi.org/10.1177/0956247809344364.
[2] على سبيل المثال، الاعتراف التدريجي بالحيازة. انظر:
Urban LandMark, “Promising Practices: A Guide on Incrementally Securing Tenure in Southern Africa” (Urban LandMark, 2013), http://www.urbanlandmark.org.za/research/x67.php.
[3] على سبيل المثال، طرحت محافظة الإسكندرية أخيرًا 335 وحدة “إسكان شباب” تم تمويل بنائهم من صندوق إسكان الإسكندرية منذ عام 2008.
[4] هناك دول تفرض ضريبة 28% على أرباح البيوع لو تمت خلال عشر سنوات من عملية الشراء، ويتم تخفيضها بعد هذه المدة. وهو إجراء وقائي ضد المضاربة، دون الاحتياج إلى آلية معقدة تنظم عمليات البيع والشراء، مثل منع غير المقيمين أو الأجانب من الشراء، أو تخصيص أماكن معينة للتملك، إلخ…
[5] إصلاحها لتكون أكثر تصاعدية وتبسيط عملية حسابها من خلال ربطها لفئات محددة مسبقًا حسب مساحات الوحدات (إعفاء للوحدات الأصغر، وزيادتها على الوحدات الأكبر…) وموقعها الجغرافي (ريف أو مدن أو مصايف).
[6] خفض ضريبة الدخل و/أو الضريبة العقارية في علاقة مباشرة لمدة الإيجار وعلاقة عكسية لقيمة الإيجار ومساحة الوحدة.على سبيل المثال تمييز المدد الطويلة (5 سنوات)، وعمل حد أعلى للقيمة الإيجارية المعفية مربوطة بمساحة الوحدة.