المرأة والسكن 3: عوائق ممنهجة لحقوق المرأة في السكن الملائم والآمن والمستقل في مصر

  • نُشرت في 28 فبراير 2022

إن حق المرأة في سكن آمن ومستقل مسألة لا يمكن رؤيتها بمعزل عن العوائق القانونية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تحول دون ملكية النساء للمنازل أو الأراضي، ومن التحكم في أملاكهن الخاصة. بالنظر إلى المستويات المختلفة لمعنى السكن بالنسبة إلى المرأة، فإن الملكية، في هذه الحالة، تمثل أكثر من مجرد أصل اقتصادي، ولكنها حق مكاني واجتماعي كما هو مذكور في أهداف التنمية المستدامة “إجراء إصلاحات لمنح المرأة حقوقًا متساوية في الموارد الاقتصادية، فضلًا عن الحق في الملكية والتحكم في الأراضي والأشكال الأخرى للممتلكات والخدمات المالية والميراث والموارد الطبيعية، وفقًا للقوانين الوطنية (الهدف 5)”.[1]

 

يعد الافتقار إلى بيانات حديثة فيما يخص أشكال السكن وحيازة الأراضي والسيطرة عليها، مصنفة حسب الجنس، مشكلة دائمة عند تعريف أزمة سكن النساء الحالية. وفقًا للبيانات المحدودة المتاحة، بشكلٍ عام، فإن 5٪ فقط من النساء المتزوجات في سن ما بين 15و49 هن من مالكات المنازل،[2] في حين أن النسبة الإجمالية لملكية المنازل في مصر هي 77٪ وفقًا لإحصاءات التعداد.[3] كما أن نسبة الإناث من ملاك الأراضي 4% وفقًا لتقدير الحكومة المصرية عام 2000،[4]  والتي تعكسها أيَضًا إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة (5٪) في نفس العام.[5] أشارت أحدث الإحصاءات (والتي أجريت قبل سِت سنوات) إلى أن 6٪ فقط من النساء في الفئة العمرية بين 18 و64 يتمتعن بأحد أشكال ملكية الأصول أو الممتلكات، وأن ثمانية من كل عشر نساء لا يملكن أي دخل مستقل سواء من العمل أو أي مصادر أخرى[6]. يمكن قراءة العوائق التي تحول دون تضييق الفجوة الواسعة بين الجنسين في إحصاءات الأراضي والممتلكات من خلال جوانب قانونية واجتماعية وثقافية واقتصادية.

 

العوائق القانونية

وفقًا للشريعة الإسلامية، فإن ميراث المرأة من والديها هو نصف ميراث الأبناء الذكور (بنسبة 1: 2)، في حين ميراث الزوجة من زوجها هو ثُمن ما ترك إذا كان له أبناء والرُّبع إذا لم يكن له أبناء. في حالة عدم وجود ورثة ذكور من الدرجة الأولى، يتعين على الإناث تقاسم الميراث مع أقارب ذكور من الدرجة الثانية أو الثالثة. حتى هذه الأسهم المحدودة قد لا تنتقل ملكيتها إلى أفراد الأسرة من الإناث أو تظل مقيدة بالاستخدام والإدارة المشروطَين من قبل أفراد الأسرة الذكور.[7] بالإضافة إلى ذلك، غلب العمل بأحكام الشريعة الإسلامية في قضايا الإرث لغير المسلمين.[8]

بالنسبة إلى النساء المستأجِرات، بحسب قانون الإيجار الجديد، تُحَدَّد تفاصيل الإيجار فقط في العقد، وفقًا لمالك العقار في الغالب، ولا تتحدد أي حقوق قانونية للمستأجر باستثناء تفاصيل مثل فترة الإيجار ومبلغ الإيجار الشهري. هذا الغياب لآليات الحماية القانونية يعرض النساء لمظاهر مختلفة من التمييز بين الجنسين في السكن. في دراسة حديثة، أفادت النساء أنهن يواجهن رفض أصحاب العقارات التأجير لهن لكونهن أعزابًا أو مطلقات أو أرامل، “قد يكون لذلك تأثير سيئ على سمعة المبنى” كما أُخبِرن.[9]

 

هذه الحماية القانونية في السكن غائبة أيضًا عند الانفصال أو الطلاق. رغم استطاعة المرأة أن ترفع دعوى أمام محكمة الأسرة للحصول على نفقة السكن من الزوج السابق، إلا أن العملية معقدة ومكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا. حقيقة أن حماية السكن ليست مسألة فورية الحل تعرِّض المطلقات ذوات الأطفال لمخاطر الإخلاء القسري وعواقب تغيير السكن. تعقيد مسألة تنفيذ نفقة أجر المسكن تعرضهن أيضًا لفقدان حقوق الحيازة إذا كان عقد الإيجار موقعًا من قبل زوجها السابق، فبإمكانه التوقف عن دفع الإيجار، وبالتالي إمكانية تعثر المرأة في دفعه في حال عدم حصولها على حق أجر المسكن بعد.

 

رغم كون مصر دولة طرفًا في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والتي تقر أن عدم وجود نَص للتوزيع المتساوي لممتلكات الزوجين هو أحد الأسس التمييزية من ناحية، وتعتبر الملكية المشتركة بين الزوجين من أهم الإجراءات التي يجب أن تتخذها الدولة للقضاء على التمييز ضد المرأة، من ناحية أخرى، فإن تطبيقات التنفيذ العملية لا تزال محدودة ولا يزال التصرف مُتاحًا فقط من خلال ملكية الأزواج حقيقة واقعة.

 

العوائق الاجتماعية والثقافية

كما ذكرنا فإن الملكية لا تعني التحكم بالضرورة، والبيانات المتاحة عن ملكية السكن لا تفرق بين الاثنين، ولا تقدم أية معلومات عن كيفية تعرض تحكم النساء في أملاكهن للتغيير أو الترقية أو التقليص حسب حالتهن الاجتماعية والزوجية. تحد الممارسات العرفية من إدارة المرأة للأصول الأسرية كالمنازل أو الأراضي التي يديرها أفراد الأسرة الذكور من جميع الأجيال: أزواجًا أو آباء أو إخوة أو أبناء عم.

 

يتأثر الوضع السكني للمرأة بشكل كبير بالعنف المنزلي كذلك. تشير التقديرات إلى أن مليون امرأة متزوجة تغادر منزل الزوجية سنويًّا بسبب العنف المنزلي الذي يقع عليها مِن قِبَل زوجها، وتعاني حوالي 7.9 مليون امرأة من أشكال العنف الأسري المختلفة كل عام.[10] هذا العنف السائد يعرض النساء للعيش في ظروف سكنية غير ملائمة وغير آمنة أو لتحمل أعباء متعددة تنتج من استبدال السكن. حتى مع تحمل أعباء التكلفة والهروب من العنف المنزلي وسوء المعاملة تواجه النساء عوائق اجتماعية أخرى من قيود المُلاك، ومحدودية فرص العثور على وحدة مستأجرة مناسبة بسبب التمييز المذكور سابقًا من قِبَل الملاك وتفضيلهم تأجير شققهم للعائلات. تداعيات العنف المنزلي ووصاية المُلاك/ البوابين تترك النساء في حالة من التشرد الوشيك والحرمان من خيارات السكن الآمن والملائم.

 

العوائق الاقتصادية

من الأساس، تحصل النساء في مصر على فرص عمل أقل بكثير، واللاتي تعملن، تنتظرهن فجوة كبيرة في الأجور، ما يحد بشكل كبير من فرصهن في الحصول على سكن يستطعن تحمل تكلفته كأفراد مستقلين مقارنة بالرجال. وهذا المُعَوِّق الذي نتحدث عنه يضعهن في دوامة من الأضرار يكاد يستحيل عليهن الهرب منها، إذ أن العيش في ظروف سكنية سيئة وغير مناسبة قد يقوِّض قدرتهن على توفير دخل خاص.

يبلغ معدل بطالة النساء في مصر 15.2٪ مقابل 5.8٪ من الرجال،[11] وتبلغ نسبة مشاركتهن في القوى العاملة 24.7٪، ويعمل 20٪ منهن بعقود جزئية.[12] إن ميل النساء إلى العمل في وظائف بدوام جزئي، أو وظائف قصيرة المدى، أو العمل من المنزل، أو في نطاق الحي تجعلهن أكثر أفراد الأسرة عرضة لظروف السكن غير الملائمة، لا سيما بالنظر إلى حقيقة أن 7.7٪ من الأسر تعيش في مناطق سكنية مزدحمة جدًّا، 17٪ منهم محرومون من وصول المياه الصالحة للشرب، بينما تعاني خمسٌ من كل عشرِ أُسَر من غياب الصرف الصحي المُعدل، و3.2٪ يقيمون في مبانٍ غير مستقرة أو غير مؤهلة.[13]

وفيما يتعلق بالفجوة في الأجور، تشير التقديرات إلى أن تلك الأقلية من النساء العاملات يجنين ما بين 25% إلى 40% أقل من الرجال الحاصلين على نفس المستوى التعليمي والخبرة، وهي فجوة في الأجور واصلت التصاعد من 25.3% في عام 1998 إلى 39.7% في عام 2018. عمومًا، تشير التقديرات إلى أن متوسط دخل الرجال يبلغ حوالي 3.8 ضعف دخل النساء، ما يؤدي بوضوح إلى فجوة في القدرة على تحمل تكاليف السكن.

 

وأخيرًا، رغم كون معظم هذه العوائق القانونية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية عميقة الجذور، فإن معالجتها مع مراعاة أثرها العميق في خيارات السكن الممكنة للمرأة أمر بالغ الأهمية. وهذا يضمن وضع حد لمسألة قصر فرص المرأة في الحصول على السكن من خلال أفراد العائلة من الذكور.

 

شكر وعرفان

بقلم: ريم شريف

مراجعة: يحيى شوكت

ترجمة: بسمة ناجي

مراجعة لغوية: أحمد الشبيني

الصورة: نوران المرصفي

 

المراجع والملحوظات

[1] “تحويل عالمنا، خطة التنمية المستدامة لعام 2030” الجمعية العامة للأمم المتحدة،2015

https://www.refworld.org/docid/57b6e3e44.html

[2] “المسح الديموغرافي والصحي لمصر، 2014 ” وزارة الصحة والسكان، 2015

[3] “عدد الأسر المصرية والأفراد طبقًا لنوع حيازة المسكن: الظروف السكنية. ” (CAPMAS, 2017)

[4] “حقوق النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- مصر.”  (فريدم هاوس ( 2005 Available: https://www.refworld.org/docid/47387b6a46.html

 [5]”قاعدة بيانات حقوق الأرض والجند,” (FAO, 2000) Available: http://www.fao.org/gender-landrights-database/data-map/statistics/en/

[6] “مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي 2015,) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمركز القومي للمرأة، 2016.

[7]El Khorazaty, Noha. Egyptian Women’s Agriculture Contribution; Assessment of the Gender Gap for Sustainable Development. 2021. American University in Cairo, Master’s Thesis. AUC Knowledge Fountain

https://fount.aucegypt.edu/etds/1533

[8] “مسيحيات في البطاقة… مسلمات في الإرث حملة جديدة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية تطالب بحق المسيحيات المصريات في الاحتكام إلى مبادئ شريعتهن عند توزيع أنصبة الميراث” المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 2019
https://eipr.org/en/press/2019/07/christians-id-muslims-inheritance-new-campaign-eipr-calling-christian-women%E2%80%99s-rights

[9]“Homes or Just Houses: The Housing Needs of Female-Headed Households in Egypt,” R. Hamad, A. S. Abd Elrahman and A. Ismail, Journal of Building Construction and Planning Research, vol. 6, pp. 138-150, 2018

[10] “مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي2015,” الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصندوق الأمم المتحدة للسكان والمركز القومي للمرأة، 2016.

[11] “بحث القوة العاملة، الربع الثالث,” الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء‎ (CAPMAS), 2020

[12] “أثر الثورة الصناعية الرابعة على النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: تحليل متعمق بشأن مستقبل العمل” مجموعة البنك الدولي، بصيرة  – المركز المصري لبحوث الرأى العام، المجلس القومي للمرأة.2021

Available at https://www.enow.gov.eg/Report/133.pdf

[13] “المؤشر العام للحرمان العمراني” مرصد العمران، 2016
https://10tooba.org/bedi/ar/%d8%b5%d9%81%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%b3%d9%8a%d8%a9/

Stay Updated with our Newsletter

اشترك بالقائمة البريدية لتحصل على آخر التحديثات