المرأة والسكن 1 : لماذا نتحدث عن المرأة والسكن؟

  • نُشرت في 27 نوفمبر 2021

في سلسلة أحوال السكن في مصر 2022، نركز على واقع البعد الجندري لإسكان النساء من منظور الحق في سكن آمن ومستقل. في الجزء الأول، نقدم السلسلة من خلال تحديد المشكلة والتركيز على طرح التساؤلات في إطار أوضاع السكن الراهنة.

مقدمة

قالت فريدة رمضان، العابرة جندريًّا، في الخمسينيات من عمرها، في مقابلة تليفزيونية: “لا أملكُ سكنًا، أنا ساكنة على الله. أمنيتي الوحيدة هِيَّه غرفة بحمام، وأكون شاكرة لربنا.”[1] أُجبرت فريدة على مغادرة منزلها في دمياط، شمال مصر، خلال مرحلة عبورها الجندري، بعد تعرضها للعنف من أسرتها وجيرانها وحتى الأطباء والمستشفيات التي ترددت عليها.[2] منة عبد العزيز، إحدى فتيات التيك توك التسع، اللاتي قُبِضَ عليهن بتهمة: “التعدي على قيم الأسرة المصرية”، ذكرت في التحقيقات الرسمية أشكال التشرد المختلفة التي واجهتها منذ وفاة والديها.[3] أقامت منة في منازل الأقارب ومحلات السوبر ماركت وبيوت الأصدقاء بعد استيلاء إخوتها على نصيبها من الميراث. أخيرًا، قُتلت داليا، وهي امرأة عَزَبَة في الرابعة والثلاثين من عمرها، بمدينة السلام في القاهرة، على يد بواب العمارة وصاحب الشقة التي تستأجرها في مواجهة عنيفة بعد اقتحامهما شقتها لأنهم رأوا زائرًا ذكرًا يصعد إليها.[4]

هذه القصص ليست قصصًا شخصية، بل لمحات عن أوضاع إسكان النساء في مصر الكاشفة عن حواجز اجتماعية واقتصادية وقانونية ممنهجة تُعيق حق المرأة في السكن الملائم والآمن والمستقل بسبب نوعها الاجتماعي. يجب طرح أسئلة حول الأعداد التي تُغفلها الإحصائيات للنساء اللاتي يُجْبَرن على البقاء مع أسرهن المُعنِّفة بسبب محدودية قدراتهن على الاستقلال بالسكن، أو النساء اللاتي تحافظن على زيجات تتسم بالعنف لأنهن لا ترغبن في العودة بأطفالهن إلى منازل عائلاتهن. هل توجد قيود على تنقُّل المرأة وخياراتها في السكن لتأمين منزل مستقل؟ هل من ثمن تدفعه النساء مقابل الحصول على منزل آمن؟

بالنظر إلى الإحصائيات التي تذكر أن تسعًا من كل عشر نساء في مصر تتعرضن لأشكال من العنف في الشوارع،[5] وأن خمسًا من كل عشر نساء تتعرضن لصور متعددة من العنف الأسري،[6] فإن المنزل الآمن والمستقل يحمل مستويات أعقد من المعاني بالنسبة إلى المرأة. المنزل هو الملاذ الوحيد لكثير من النساء من واقعِهن المعيش، إذ يُبقيهن على مسافة من عنف الشوارع. يمثل المنزل أيضًا، كمكان مستقر خاص بهن، عنصر تحكُّمٍ في حياتهن الخاصة ومساحة نادرة لبناء قيمهن الشخصية وتطبيقها.

يمتد مفهوم التشرد إلى أبعد من كون النساء بلا مأوى، ليشمل اللاتي تعشن في سكن غير آمن و/ أو غير مناسب، ويضم حالات “العيش في مساكن غير آمنة”، أو “العيش تحت تهديد الإخلاء” أو “العيش تحت تهديد العنف.”[7] وعليه، فإن إحصاءات التشرد لا تؤدي الغرض بشكل كافٍ فيما يتعلق بالنساء المُعرَّضات لخطر العنف الأسري، أو التهديد بالطرد أو التعرض للعنف من قِبَل أصحاب العقارات. هذا بالإضافة إلى أشكال أخرى من التمييز الممنهج المتعدد والمتقاطع توجِّهَهُن إلى اختيار المساومة على سلامتهن الشخصية، وهو وضع يتطلب فهمًا للسكن كقضية نسوية. ويحيلنا ذلك إلى ضرورة إعادة التفكير في بعض الحقائق المُجندرة الكامنة وراء سياسات وإستراتيجيات الإسكان.

أبعد من الأرقام

أدار المجلس القومي للمرأة برنامج “مدن آمنة خالية من العنف ضد النساء والفتيات” بين عامي 2011 و2020، والذي سجَّل إنجازاته في القاهرة والجيزة ثم توجه إلى محافظات أخرى: دمياط والإسكندرية.[8]  كما يُعد “محور الحماية”، المحور الرابع من الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، كمثال آخر على الدعم المفترض. ومن بين تبعاته قرار وزير النقل 237/2021 بإصدار “المدونة القومية لقواعد سلوك المستخدمين والمشغلين والعاملين في مرافق ووسائل النقل.”[9] انشغلت مبادرة المدن الآمنة في عددٍ من الأحياء مع مسألة السلامة الحضرية والسكنية بأهداف منحصرة في الأرقام، بينما لم تصل آلية تطبيق مدونة قواعد السلوك إلى قطاع عريض من المستخدِمات. إن فعالية هذه الإنجازات الكَمية محل تساؤل، خاصة فيما يتعلق بالحالات التمييزية المتقاطعة المتعلقة بالنفاذ إلى سكن ملائم وآمن ومستقل، وتنوع تجارب النساء في اختبار مفهوم، مثل: التشرد المخفي الذي يصعب قياسه. إن تشكيل الأولويات وفقًا للمؤشرات الكمية لا يلبي الاحتياجات الفعلية للنساء ولا يفهم التفاعلات المعقدة بين وضعهن القانوني والاجتماعي والاقتصادي من جهة وأوضاع الإسكان الخاصة بهن من جهة أخرى.

أبعد من السياسات المحايدة جندريًّا

لا ترى سياسات وإستراتيجيات الإسكان الاجتماعي النساء خارج هياكل الأسرة النووية الأبوية التي، ومن تعريفها، يهيمن عليها الذكور. أعلنت مشاريع صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، التي من مسؤولياتها توفير إسكان ميسور التكلفة للمواطنين من ذوي الدخل المتوسط ​​والمنخفض، إعطاء الأولوية للمعيلين وأسرهم، ثم المتزوجين في الدرجة الثانية، بعدهم في الدرجة الثالثة غير المتزوجين.[10] تقل شفافية البرنامج فيما يتعلق بمنح الأولوية للأسر التي تعيلها نساء، والتي مثَّلت 27٪ من المستفيدين في عام 2020[11]، ارتفاعًا من 8٪ عندما بدأ البرنامج، والأهم من ذلك، الإناث الأعزاب. رغم اعتبار إضافة هذه الأولوية تحسنًا ملاحظًا،[12]إلا أن عدم النظر إلى النساء كأفراد مستقلات في مشاريع الإسكان الحكومية يؤدي إلى هيكلة اعتمادهن على الذكور وإجبارهن على الحفاظ على هويتهن الزوجية/ الأمومية. إن تطوير ودعم كلٍّ من سياسات مكافحة العنف الأسري وسياسات الإسكان بشكل منفصل يُعَد مسألة إشكالية، إذ يؤسس لتشرد مخفي للنساء، ويضيف حاجزًا أمام عملية كسر حلقة العنف تاركتهن تحت وطأة “توحُّش” سوق الإيجارات.

 

أبعد من مشاريع إسكان في مدن جديدة

كان إنشاء المدن الجديدة في الصحراء المتاخمة لمنطقة القاهرة الكبرى بمثابة إستراتيجية للتنمية العمرانية منذ السبعينيات لاستيعاب النمو السكاني وحل أزمات الإسكان. إلا أن تخطيط هذه المدن لا يعترف باحتياجات النساء المختلفة المتعلقة بمسؤوليات الرعاية وأنماط التنقل، إلى المواقع البعيدة لهذه المدن وتقسيمات استخدامات الأراضي بداخلها وشبكات التنقل. تميل النساء إلى اختيار الوظائف في أماكن قريبة تمكنهن من أداء أدوارهن في الرعاية، خاصة في ضوء الإحصائيات التي تقر بأن المرأة في مصر تقضي ما متوسطه 8 ساعات يوميًّا في أعمال خدمات رعاية الأطفال وكبار السن والأقارب ذوي الإعاقة.[13] وعليه، فإن المدن الصحراوية المعزولة تقيِّد فرص المرأة في العمل. تتضمن أنماط التنقل اليومي المختلف لدى النساء ميلًا إلى ما يسمى بـ”سلسلة مشاوير”،[14] حيث تقمن بأكثر من “مشوار” أثناء رحلاتهن بين وُجهتين أساسيتين يوميًّا كرحلاتهن بين المنزل والعمل مثلًا. في مصر، تمتلك 11٪ فقط من الأسر سيارات خاصة، وحتى في تلك الحالات، فنفاذية النساء إلى هذه السيارات “العائلية” محدودة في أغلب الأحوال، فتعتمد تنقلاتهن بشكل أساسي على وسائل النقل العام، بالإضافة إلى المشي. لذلك، فإن افتقار المدن الجديدة إلى شبكات نقل عام يُعتمَد عليها،[15] يزيد من اعتماد النساء على الأقارب الذكور لتوصيلهن أو مرافقتهن أثناء تحركاتهن ويُحِد من خيارات تَنَقلهن.

 

ضرورة صياغة سياسة إسكان تراعي الاعتبارات الجندرية

وأخيرًا، فإن الحاجة إلى وضع إستراتيجية إسكان تراعي الاعتبارات الجندرية على اختلافاتها هي حاجةٌ ماسة، كبديل ضروري للواقع العنيف. النقص في الإنتاج المعرفي المختص بأوضاع إسكان النساء في مصر يعني ضرورة التركيز على التجارب المتنوعة والمسارات المتقاطعة المتعلقة بالمفاهيم المختلفة لتشريد النساء وتعرضهن للتمييز فيما يخص الحق في السكن. بالاضافة إلى أهمية التعرض للجوانب المخفية من ظروف السكن غير الآمنة للنساء سواء في القانون أو في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والمساهمة في صياغة سياسات إسكان تحمي وتدعم وتساعد النساء في تخفيف آثار العنف المنزلي والعنف الذي تتعرضن له في الشوارع وتسمح لهن بممارسة حقوقهن. إن هذه الضرورة تأتي بموجب مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز أو التهميش ودور سياسات وبرامج الإسكان في تحقيق الاندماج الاجتماعي المنصوص عليه في المبادئ التوجيهية لصياغة “إستراتيجية الإسكان في مصر”[16] وكذلك الدستور المصري لعام 2014 – المادة (78)، التي نصَّت على حق جميع المواطنين في الحصول على سكن لائق. كما أنها تحقق أهداف التنمية المستدامة – الهدف الخامس تحديدًا – بتعزيز حرية نفاذية المرأة، دون إقصاء، إلى الموارد، وكذلك حقوق الملكية العقارية، وهو الهدف الذي تتبناه إستراتيجية المجلس القومي للمرأة 2030.[17]

 

بقلم: ريم شريف

مراجعة: يحيى شوكت

الصورة: نوران المرصفي

ترجمة: بسمة ناجي

المراجع

 

[1]“فريدة رمضان المتحولة جنسيًا تتحدث عن ازمتها وكيف يتعامل الناس معها، الحكاية”، إم بي سي مصر، 20 نوفمبر 2020 ,https://www.youtube.com/watch?v=queIb6mrGIk.

[2]“50 سنة معاناة.. قصة محمد رمضان الذي تحول جنسيًا لفريدة في البحيرة”, صدى البلد, 30 نوفمبر 2020 https://www.youtube.com/watch?v=sibiQZGd5UI

[3]“اعترفات منة عبد العزيز من واقع دفتر التحقيقات “، 24 اغسطس 2020 https://www.facebook.com/karim.mohamed.942/posts/3145589722162854

[4]“البواب أبلغ مالك العقار بوجود صديقها في الشقة .. قرار من النيابة في حادث “مدينة السلام””، المصري اليوم، 13 مارس 2021، https://www.almasryalyoum.com/news/details/2281766.

[5]“Study on Ways and Methods to Eliminate Sexual Harassment in Egypt” (UN Women, 2013), https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/harassmap/media/uploaded-files/287_Summaryreport_eng_low-1.pdf

[6]“Circles of Hell’: Domestic, Public and State Violence Against Women in Egypt” (Amnesty International Ltd, 2015), https://www.amnestyusa.org/wp-content/uploads/2017/04/mde_120042015.pdf

[7]“Guide for Developing Effective Gender-Responsive Support and Solutions for Women Experiencing Homelessness” (FEANTSA, 2021).https://bit.ly/302I0xG.

[8] برنامج مدن آمنة خالية من العنف ضد النساء والفتيات، المجلس القومي للمرأة https://archive.md/y8CIq

[9]“Report on the National Strategy to Eliminate Violence against Women 2015-2020” (The National Council for Women, 2020), http://ncw.gov.eg/Images/PdfRelease/Report%20on%20National%20VAW%20strateg-52021201494355.pdf.

[10]“مشروع سكن لكل المصريين 2: كراسة شروط حجز وحدات سكنية جاهزة للتسليم لمنخفضي ومتوسطي الدخل” (صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، 2021) https://issuu.com/almasrymediacorporation/docs/_-_-_-_-2021

[11]التقرير السنوي 2020، صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري  https://bit.ly/30aKoCM

[12]Jean Lobet, Laila Abdelkader, and Alia Eldidi, “Creating Opportunities for Egyptian Women to Own Homes,” World Bank Blogs, March 18, 2020, https://blogs.worldbank.org/arabvoices/creating-opportunities-egyptian-women-own-homes

[13]“Childcare Services and Its Impact on Women Economic Participation” (The National Council for Women, 2021), https://en.enow.gov.eg/Report/144.pdf; “Care Services for Elder People and Their Impact on Women Economic Participation” (The National Council for Women, 2021), https://en.enow.gov.eg/Report/155.pdf; “Disability, Care and Women’s Labor Force Participation in Egypt” (The National Council for Women, 2021), https://en.enow.gov.eg/Report/166.pdf.

[14]“Trip Chain Is Defined as ‘a Sequence of Trip Segments between a Pair of Anchor Activities “Home” and “Work” or“School,”’” n.d.; Frank Primerano et al., “Defining and Understanding Trip Chaining Behaviour,” Transportation 35, no. 1 (January 1, 2008): 55–72, https://doi.org/10.1007/s11116-007-9134-8

[15] سمير شلبي، المدينة في حالة حراك: مقارنة التوزيع المكاني لخدمات المواصلات في ضاحية للقاهرة الكبرى، 12 مارس 2018
https://marsadomran.info/policy_analysis/2018/03/1465/

[16] UN-HABITAT، “استراتيجية الإسكان في مصر” 2020  https://unhabitat.org/egypt-housing-strategy.

[17]المجلس القومي للمرأة, “الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية، الرؤية ومحاور العمل” مارس 2017,

http://ncw.gov.eg/wp-content/uploads/2018/02/2017-04-23-strategy-2030.pdf

Stay Updated with our Newsletter

اشترك بالقائمة البريدية لتحصل على آخر التحديثات