المرأة والسكن 2: ساكنات لا رهائن

  • نُشرت في 16 ديسمبر 2021

في سلسلة أحوال السكن في مصر 2022، نركز على واقع البعد الجندري لإسكان النساء من منظور الحق في سكن آمن ومستقل. في الجزء الثاني، نطرح إجابة على سؤال: “لماذا يعتبر السكن المستقل ضرورة للنساء، وليس كماليات أو رفاهية؟”

 

مقدمة

رغم حقيقة أن 20% من النساء المقيمات في المناطق الحضرية بمصر لا يعشن في بيوت الزوجية أو بيوت العائلة،[1]تجد النساء احتياجاتهن غير مرئية عند وضع سياسات متعلقة بالإسكان، بالإضافة إلى شتى الأعباء القانونية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيق حقهن في سكن مستقل وآمن. قد يعني السكن خارج بيوت الزوجية أو بيوت العائلة كسرَ حلقة التبعية للذكور، أحيانًا يكون بدافع الوصول إلى فرص أفضل للتعليم أو العمل، أو للحفاظ على أمانهن الشخصي بالفرار من الاعتداءات والعنف اللفظي والجسدي. بحسب مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، أشارت20% من النساء إلى أنهن تعرضن لأشكال من الاعتداءات الجنسية داخل العائلة.[2] أو ببساطة يكون الدافع هو العيش كمواطنات لهن حقوقهن الفردية، مثل: الاختيار، واتخاذ القرارات، والحصول على مساحة لتشكيل هويات وأنماط حياتية خاصة بهن. ومع ذلك، فمن المفارقة أن هذا يضعهن على جبهات أخرى من مواجهة وصاية وسلطة وتدخلات أوسع من مجتمع أبوي يتجسد في أصحاب العقارات والجيران والبوابين.

 

كيف يمثل السكن المستقل الآمن أداة دفاع عن النفس، وبيئة للتعافي، وأحد أشكال المقاومة؟ أثناء سعينا إلى الإجابة، التقينا عددًا من النساء المقيمات بمفردهن في أحياء مختلفة بالقاهرة. تشارك النساء في هذا المقال بجزء من رحلتهن في الاستقلال بالسكن، وهي بداية حاجتهن إلى امتلاك خيار مغادرة بيوت العائلات في تلك اللحظة من حيواتهن، لتشكيل سُبُلهن المعيشية المناسبة، بعيدًا عن المصير المجتمعي المحتوم: “تطلع من بيت أبوها لبيت جوزها”.

 

استعادة الحق في الاختيار

تقع خيارات المرأة كمحل تلاعب، وعرضة للتضييق من سلطة العائلة كمؤسسة، لكونها الجهة الموفرة وربما المحتكرة للمأوى. لذا، فمغادرة هذه المؤسسة يجب أن يظل خيارًا متاحًا. تقول منى (28 عامًا)،[3] التي تركت منزل عائلتها في سن الثالثة والعشرين: “بدأتُ اكتشاف نفسي. أردتُ أن أختبر حياتي واختياراتي وأعيشها بالكامل. لطالما فكرتُ بأن كل ما في العالم سيمر دون أن أعرف عنه شيئًا، دون أن أحظى حتى بفرصة للتعرف على ما إذا كان مناسبًا لي أم لا”. أو كما لخصت حاجتها: “لاختبار ما الذي يشبهني في الحياة، ولاكتشاف ما لا يشبهني أيضًا”، تقول منى، قبل أن تختار الزواج والاتفاق مع زوجها على عقد اجتماعي مُرضٍ للطرفين بعد ذلك.

 

إن وجود خيار السكن خارج مؤسسة الأسرة قد يعني أيضًا الفكاك من الوضع المُستَغِل، الذي يفترض أن الدخول إلى مؤسسات أخرى من علاقات معيارية غيرية أو زواج أو أمومة والالتزام بإطارها هي الخيارات الآمنة الوحيدة. توضح دينا: “بعد التخرج، علِقتُ في سلسلة مقابلات العرسان المحتملين، وكانت مقابلاتهم حيلة لتجنب رفض عائلتي خروجي من البيت. لم يكن الرفض القاطع والصريح خيارًا بالأساس. كانت الضغوط أكبر مني.” ثم تضيف الشابة البالغة من العمر ستة وعشرين عامًا: “كان احتياجي إلى المغادرة مرتبطًا بشدة برغبتي في قضاء أوقات في أنشطة الشارع والأماكن العامة، بعيدًا عن أنشطة المنزل، أردت أن أملك حق الاختيار دون تدخل من عائلتي، وأن أحدد ذلك بناءً على جدولي اليومي، وليس انصياعًا لمواعيد الانصراف والحضور.” واجهت دينا مستويات مختلفة من الإعاقة لنفاذها إلى خارج المنزل، ما علق حريتها في الحركة والتنقل تحت رهن قرار أفراد العائلة، ككثيراتٍ غيرها.

 

استعادة القدرة على التصرف

“حين غادرتُ منزل العائلة، أعدتُ تشكيل علاقتي بهم كما يجب أن تكون علاقة الفرد بعائلته. أنا أحبهم وأحتاج وجودهم في حياتي فعلًا، لكن بدون هيمنة”، هذا ما قالته مُنى لتصف كيف أتاح لها الاستقلال بالسكن إعادة تشكيل وتنظيم ديناميات السلطة بينها وبين والديها.

 

تصف سارة، 33 عامًا، كيف تصير الاعتمادية علاقة تبادلية بدلًا من كونها صيغة أحادية الاتجاه مقتصرة على كبير العائلة من الذكور: “بدأت علاقتنا تتخذُ شكلًا من أشكال الاعتمادية المتبادلة. حين نأيتُ بنفسي عن كيان الأسرة، تقلصت خلافاتنا وتحسنت علاقاتنا. الآن أفتقدهم، وأعرف أنهم يحتاجون وجودي، لذا صارت زيارتهم من أحب الأشياء التي أفعلها أسبوعيًّا.” تحدثت آية، 30 سنة، عن قدرتها على إعادة تشكيل الحدود ووضع قواعد جديدة: “توقفتُ عن الأفعال التي أُكرِهتُ عليها طوال الوقت، كحضور المناسبات الاجتماعية العائلية التي كنتُ أُجبَر على حضورها للحصول على فرصة أكبر للظهور واكتساب مزيد من الفرص للتعرف على عريس محتمل مع سلوكٍ مرح إلزامي وابتسامة مزيفة بالطبع، كان هذا مشهدًا مُهينًا، عليَّ تأديته.”

 

التخلص من الحالة الاعتذارية

تقول مُنى: “شعرت دومًا أنني غريبة في ‘بيتنا’، ويرجع هذا إلى كونه ‘بيتنا’. كنتُ مُلزَمة طوال الوقت بتبرير احتياجي إلى مساحة خاصة. خصوصية! تلك الكلمة المبهمة التي احتجتُ إلى شرحها في ظل المنطق السائد المقر بأن كوننا عائلة يعني أننا نتشارك كل شيء، حتى حياتي ومساحتي الشخصية، المسموح للعائلة التدخل فيها بديهيًّا.” ما شهدَته مُنى هو أحد المظاهر الكلاسيكية لممارسة فروق السلطة، والتي وصفتها ماريلين فراي: “السلطة الكلية هي استباحة غير مشروطة؛ والعجز الكلي هو كونك مستباحًا دومًا، دون أي قيود.”[4]

 

توضح رنا، 27 سنة، أنه: “لكي تطلبَ الخروج من المنزل يجب أن يكون هناك إخطار مُسبق، يُقدَّم قبل الخروج بوقت مناسب، فالإشعارات السريعة مرفوضة! تُوجِب عليَّ تقديم سببًا واضحًا، وقائمة بالأماكن التي سأقصدها، ومن سألتقي بهم، مع التزام الأدب عند تقديم الطلب بالطبع. باختصار، كان عليَّ تفنيد حُجتي بشكل صحيح كي لا تُرفض من الأساس”، وتواصل: “أُعفِيتُ الآن من تقديم كل تلك التبريرات لخروجي مبكرًا من العمل، أو عودتي إلى البيت باكية. لا بد أن تستقيلي من عملك! من يضايقك؟ كان عليَّ دائمًا تبرير حالتي المزاجية وبالتالي كنت أفضل إنهاء نوبات بكائي خارج المنزل لتجنب الاستجواب والتدخل. لكن الآن، استقلتُ من عملي أو لم أستقِل، أملكُ مالًا أو لا أملك، تشاجرتُ مع أصدقائي…، كل تلك الأمور تخصني ولا تحتاج إلى مبررات.” إن وجود خيارات سكن منفصلة تتيح للعديد من النساء التخلص من الحالة الاعتذارية وفكرة تقديم أسباب من الأساس للرجوع مبكرًا أو متأخرًا، أو الغضب أو الإحباط، وتبرير كل خطوة إلى الخارج باعتبارها موضوعًا للتفاوض العائلي خاضعًا لمدى مشروعية السبب وسجلهن في تأدية فروض الطاعة.

 

من أجل كل ذلك، تحتاج النساء إلى مكان ليسكنَّ فيه لا ليُحتَجزن، الحق في مكان خاص بهن يمكنهن تسميته ‘بيتًا‘. فالمسكن الخاص بهن هو تغيير في واقعهن الاجتماعي الذي يغلب عليه العنف والتعسف. لكل امرأة الحق في أن تشملها سياسات إسكان واضحة تعترف بها كفرد بغض النظر عن كونها أمًّا أو جزءًا من أسرة، وأن توفر لها خيارات سكن ميسورة التكلفة، وأن يحفظ لها حقها في الحصول على منزل مستقل آمن.

 

شكر وعرفان

بقلم: ريم شريف

مراجعة: يحيى شوكت

جرافيكس: نوران المرصفي

ترجمة إلى العربية: بسمة ناجي

المراجع

 

[1] “الأسر المعيشية المصرية طبقًا لكود نوع الأسرة وعدد أفرادها 2017” (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2017)https://www.capmas.gov.eg/Pages/StatisticsOracle.aspx?Oracle_id=1966&page_id=5109

[2] أمل فهمي، أحمد بدر، العنف الجنسي في مصر: دراسة عن وسائل الدعم وآليات الحماية والإبلاغ، مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، 2021، https://bit.ly/3qop6wh

[3] لأغراض حماية خصوصية المشاركات، تستخدم أسماء مستعارة. يتم مشاركة جميع المعلومات والبيانات الأخرى بناء على موافقتهم.

[4] ماريلين فراي، سياسة الواقع: مقالات في النظرية النسوية، 1983.

Stay Updated with our Newsletter

اشترك بالقائمة البريدية لتحصل على آخر التحديثات