- نُشرت في 10 مايو 2021
في أوائل سبتمبر 2020، تم إقرار بعض التعديلات على قانون الشهر العقاري ليتم تفعيلها بعد فترة سماح مدتها ستة أشهر.[1] سهَّلت التعديلات عملية التسجيل لأصحاب العقارات المتنازع عليها ممن حصلوا على حكم قضائي نهائي. والأهم من ذلك، كان نصها على أنه لا يجوز لأي مقدم خدمة نقل المرافق إلى أسماء مالكي العقارات الجدد أو السماح بتوصيل المرافق إلى العقارات المبنية حديثًا، التي تم بيعها فورًا ما لم يتم تقديم ما يثبِت تسجيل العقارات. في المجمل، كان المقصود من هذا التعديل أن يكون حافزًا قويًّا لتسجيل أكثر من 35 مليون منزل غير مسجل في مصر.[2]
مرت هذه التعديلات دون أن يلاحظها أحد حتى بدأ المسؤولون حملة في فبراير 2021 لتذكير المُلاك بالتسجيل قبل 4 مارس، وهو التاريخ الذي كان من المفترض أن تنتهي بحلوله فترة السماح. تلا ذلك ثورة شعبية عنيفة على القانون، غاضبين على ارتفاع تكاليف التسجيل، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية المصاحبة للإجراءات الاحترازية المفروضة لمحاربة جائحة كورونا. فحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تسبب الوباء في خسارة مصادر الدخل على نطاق واسع، والذي يُقدر أنه أصاب ثلاثة أرباع القوة العاملة.[3]
أهمية التسجيل العقاري
ينص القانون المدني، وهو القانون الحاكم للعلاقات التعاقدية، في مادته 934 على أن: “في المواد العقارية لا تنتقل الملكية… إلا إذا رُوعيت الأحكام المبيَّنة في قانون تنظيم الشهر العقاري”،[4] أي بالتسجيل. ولكن مع تعقيد العملية وارتفاع تكلفتها، لجأ معظم المتعاقدين إلى سبل أخرى لنقل الملكية، مثل: العقود العرفية، أحكام صحة التوقيع، أحكام الصحة والنفاذ، والتوكيلات، وهو ما يراه القضاء أقلَّ رسمية وأضعف قانونيًّا من التسجيل. تأقلمت مؤسسات الدولة الخدمية مع هذا الوضع نظرًا إلى اعتياده، ويتم الاعتداد بأغلبية هذه المستندات عند التعامل مع العقار لتوصيل المرافق، أو تسديد الضرائب العقارية إلخ…، ولكن عندما تقدم قضايا نزاع على الملكية، يوازن القضاء بين براهين وأدلة الملكية طبقًا لمراكز ثقل المستندات حسب القانون والمبادئ القضائية كالتالي:[5]
- تسجيل العقار بالسجل العيني.
- الحيازة بوضع اليد بعد اكتمال شروطه.
- الحيازة بحسن النية (السكن بالعقار).
- تسجيل العقد بالشهر العقاري (وليس العقار) أو عقد بحكم الصحة والنفاذ.
- التسجيل بمصلحة الضرائب العقارية، أو إيصالات تسديد الضريبة.
يلاحظ أن من بين هذه البراهين لا توجد سيرة لعقد مصحوب بصحة التوقيع، وهذا لأنه أمام القضاء لا يفرق بينه وبين عقد عرفي نظرًا إلى إثبات الحكم فقط لصحة شخصية البائع، وليس لمضمون العقد نفسه. كما لم يتطرق إلى البيع بتوكيل رسمي، لأنه لم ينقل الملكية، إنما يعطي الشخص حرية التصرف كأنه المالك.
هذا الوضع القائم مناسب لأغلبية المُلاك الذين لم يتعرض لهم أحد في ملكيتهم، ولكنه غير مناسب لبعض الذين يجدون أنفسهم في مرمى نيران نزاع على الملكية، الذين تتباين مواقف قوة ملكيتهم حسب الأسانيد المذكورة. وهناك براهين تشير إلى أن التحايل والنصب العقاري ظاهرة ليست فردية، وتصيب عددًا متزايدًا من السكان، الذين أسماهم رئيس مصلحة الشهر العقاري، الدكتور جمال يقوت بـ”عصابات النصب”.[6] في إحدى أكبر عمليات النصب على عملاء، تم بيع 177 وحدة سكنية بعقار في الإسكندرية، إلى 350 شخصًا نتج عنها العديد من القضايا والمواجهات بين مدعي الملك.[7]
أسباب مقاومة القانون
قُوبل تطبيق القانون برفض شعبي واسع وصل سريعًا إلى مجلس النواب.[8] فعملية التسجيل شديدة التعقيد وحسب نقابة المحامين تحتاج إلى 25 خطوة إذا كان التسجيل رضائيًّا، أي يشترك فيه البائع، وهي أكثر الطرق سلاسة، لتتضاعف إلى 46 خطوة إذا كان تسجيل البيع يستلزم رفع قضية صحة بيع ونفاذ على العقد.[9] بينما تستغرق هذه الإجراءات المطولة ما بين ستة أشهر وسنتين حتى تحقيقها.
بالإضافة إلى التعقيدات البيروقراطية، يتحمل المالك الجديد تكاليف تتراوح ما بين 1.1 ٪ إلى 11% من قيمة العقار لتسجيله، بحسب إذا ما كان العقار مسجلًّا بالفعل ويتطلب نقل ملكية فقط، وهو ما يعتبر نادرًا، أو عقار غير مسجل، وهي الحالة الأكثر شيوعًا (الجدول 1). فتضم الرسوم رسم التسجيل بالشهر العقاري والذي يتراوح ما بين 500 إلى 2000 جنيه حسب مساحة العقار، ورسوم نقابة المحامين بواقع 0.5% من قيمة العقد مقابل إشهاره، وضريبة التصرفات العقارية بنسبة 2.5 ٪ من قيمة العقار، والتي عادةً تفشل السلطات في تحصيلها من البائعين وتعتمد بدلًا من ذلك على موظفي الشهر العقاري لتحصيل الضرائب من المشترين عند تسجيل العقار،[10]وتركهم لتسوية الأمر مع البائعين من خلال المحاكم، بالإضافة إلى رسوم المحكمة حال اللجوء إلى دعوة صحة ونفاذ، والتي تتراوح ما بين 2.85% و5.7% بحسب إذا تمت تصالحًا بين البائع والمشتري في أول جلسة، أم إذا أخذت القضية أكثر من جلسة. بالإضافة إلى كل ذلك توجد رسوم لجهات حكومية مختلفة، منها: هيئة المساحة لتحديد مساحة الوحدة، والوحدة المحلية لاستخراج نسخة طبق الأصل من الرخصة، وأتعاب المحاماة والتي تقدر حسب كل حالة.
الجدول 1: :جدول استرشادي عن رسوم تسجيل عقار حسب نقابة المحامين بمساحة 100 م2 وقيمته 300 ألف جنيه قبل تعديلات مارس 2021[11]
بيان الرسوم لشقة 100م2 | تسجيل رضائي 1 | تسجيل رضائي 2 | تسجيل صحة ونفاذ جلسة واحدة | تسجيل صحة ونفاذ أكثر من جلسة | |
رسوم التسجيل العقاري | 520 | 520 | 520 | 520 | 520 |
رسوم إدارة المساحة | 200 | 200 | 200 | 200 | 200 |
رسوم نقابة المحامين نظير ختم مشروع العقد | 0.5% | 1,500 | 1,500 | 1,500 | 1,500 |
ضريبة التصرفات العقارية | 2.5% | 0 | 7,500 | 7,500 | 7,500 |
رسوم قضائية | 2.85 -5.7% | 0 | 0 | 8,550 | 17,100 |
رسوم أخرى* | 1,000 | 1,000 | 3,000 | 6,000 | |
إجمالي | 1.1% | 3.6% | 7.1% | 10.9% | |
3,220 | 10,720 | 21,270 | 32,820 |
تأثير
قبل أيام من تنفيذ القانون، مع تصاعُد الرفض، اقترح كل من البرلمان والحكومة مسوَّدات لتأجيل تنفيذه. أخيرًا، خلال اجتماع مع وزيرالعدل في 1 مارس، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي تأجيل تطبيق القانون لمدة عامين “للسماح بنقاش مجتمعي” حول القانون.[12] خلال الفترة الانتقالية، سيتم “تخفيض” رسوم التسجيل وتوضيحها أكثر، كما سيتم إلغاء شرط تحصيل ضريبة التصرفات العقارية عند التسجيل. في اليوم التالي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون دمج المسودات الحكومية والبرلمانية لتعليق تعديلات التسجيل العقاري الجديدة حتى يونيو 2023،[13] وكذلك تعديل قانون ضريبة الدخل بإلغاء الشرط للسماح بالتسجيل فقط بعد تحصيل ضريبة التعاملات العقارية. وهذا ما تم حسمه مع إصدار قانون رقم 5 لسنة 2021 يوم 6 مارس.[14] صححت هذه الخطوات مسارًا خاطئًا لتطبيق قانون تعمل فلسفته على حماية حقوق المُلاك، ولتحقيق أمن الحيازة في مصر من المهم أن تشمل عملية إصلاح منظومة التسجيل العقاري تبسيط إجراءات التسجيل، وخفض قيم التسجيل الأخرى كرسوم نقابة المحامين والرسوم القضائية.
المراجع
[1] القانون رقم 186 لسنة 2020″، بشأن تعديل بعض مواد قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1964 § (2020), https://www.cc.gov.eg/i/l/404665.pdf
[2] حسب تصريحات لرئيس مصلحة الضرائب العقارية. المال، “مؤتمر التطوير العقاري| الضرائب: 3% نسبة تسجيل العقار بمصر”، 30 أكتوبر، 2018, https://archive.ph/MLL9X
[3]الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء, “أثر فيروس كورونا على الأسر المصرية”, يونيو، 2020, https://www.capmas.gov.eg/Pages/StaticPages.aspx?page_id=7233
[4]“القانون رقم 131 لسنة 1948”, بإصدار القانون المدني وفقًا لآخر تعديل صادر في 16 يوليو عام 2011 § (1948), https://www.cc.gov.eg/legislation_single?id=404569
[5] عبد الرزاق السنهوري, الوسيط في شرح القانون المدني الجديد (بيروت: دار إحياء التراث العربي, 1952), 602–5, https://tinyurl.com/yxa6dwcv
[6] الأهرام, “رئيس الشهر العقاري: إضافة التسجيل للقانون للقضاء على عصابات النصب”, 23 فبراير، 2021, https://gate.ahram.org.eg/News/2613329.aspx
[7] اليوم السابع, “متضرر من واقعة نصب فى وحدة سكنية بالإسكندرية: المحكمة غلت يد الجميع ع…”, 20 فبراير، 2018, http://archive.vn/sszzt
[8] المصري اليوم, “جدل واسع حول تعديلات “الشهر العقاري”.. ومطالب حزبية وبرلمانية بالتأجيل”, 5 فبراير، 2021, https://www.almasryalyoum.com/news/details/2268479
[9] نقابة المحامين, “من الألف إلى الياء إجراءات التسجيل العقاري بنوعيه ‘ رضائي ـ صحة ونفاذ'”, نقابة المحامين المصرية (blog), 14 سبتمبر، 2020, https://egyls.com
[10] وزارة االعدل، مصلحة الضرائب العقارية. منشور فني رقم 19 لسنة 2018
[11]نقابة المحامين, “من الألف إلى الياء إجراءات التسجيل العقاري بنوعيه ‘ رضائي ـ صحة ونفاذ'”
[12]رئاسة الجمهورية, “الرئيس عبد الفتاح السيسي يجتمع برئيس مجلس الوزراء ووزير العدل”, 1 أبريل، 2021, https://www.presidency.eg/ar
[13]الشروق, “النواب يوافق نهائيا على إرجاء العمل بقانون الشهر العقاري حتى 30 يونيو 2023”, 2 مارس، 2021, https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=02032021&id=a9ec21ac-a0a0-4317-8931-61635bfc6f3c
[14]“قانون رقم 5 لسنة 2021”, بارجاء العمل بالقانون رقم 186 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري وبتعديل يعض أحكام قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 § (2021), https://www.cc.gov.eg/legislation_single?id=410203