- نُشرت في 21 فبراير 2017
في الوقت الذي أعلن فيه وزير الكهرباء حتمية رفع أسعار الكهرباء مرة أخرى في هذه السنة المالية لامتصاص تضخم أسعار الوقود واستثمارات التوسع في الإنتاج وتكاليف صيانة المرفق نتيجة لتعويم الحكومة للجنيه المصري وخسارته لأكثر من 50% من قيمته، وهذا بعد ستة أشهر فقط من رفعه لأسعار الكهرباء، نقدم تقرير حقائق الكهرباء لسنة 2016/2017 للاستخدام المنزلي.
يسلط هذا التقرير الضوء على أعباء زيادة الأسعار الأخيرة على الفقراء ومحدودي الدخل، وينتهي بعدد من التوصيات لتجنب تحميل هذه الفئات المزيد من الأعباء وتوفير الحد الأدنى من الطاقة لهم والتركيز على محاربة الاستهلاك الفاره للكهرباء وتحسين شفافية القطاع.
زيادة التعريفة ورسم بدل الخدمة يرفعان الفواتير 33%
كما اعتادت الحكومة خلال الأعوام الخمس الماضية، أصدر وزير الكهرباء، الدكتور محمد شاكر في أغسطس الماضي القرار رقم 436 لسنة 2016 برفع أسعار الكهرباء للمنازل بنحو 33% للسنة المالية الحالية 2016-2017 (الشكل رقم 1).
طالت الزيادة بندين لحساب فاتورة الكهرباء، البند الأول هو زيادة تعريفة شريحة استهلاك الكهرباء، والتي زادت بمتوسط 33% عن العام الماضي على مستوى الشرائح (الشكل رقم 2)، ولكن يلاحظ أن الزيادات الأعلى طالت شريحتي الاستهلاك المنخفض والمتوسط حيث وصلت إلي 34% و38% (الشريحة الثالثة والرابعة على التوالي)، فيما كانت 36% 34% لشريحتي الاستهلاك العالي (الشريحة الخامسة والسادسة على التوالي).
البند الثاني الذي قام وزير الكهرباء برفع سعره، هو بند مقابل الخدمة، والذي تم استحداثه مع زيادات العام الماضي حيث تضاف قيمة ثابتة لكل فاتورة حسب شريحة الاستهلاك. فزاد مقابل الخدمة على ثلاث شرائح فقط وهم الاستهلاك الضئيل والمنخفض والمتوسط (الشرائح الثانية حتى الرابعة) بزيادة قدرها 33% و100% و33% على التوالي (الشكل رقم 3). من الجدير بالذكر أن الزيادة لم تَطِل شرائح الاستهلاك العالي أو الشريحة الأولى.
تأثير مُبالغٌ فيه على الفقراء ومحدودي الدخل
بعد ثبات أسعار الكهرباء للمنازل بين عامي 2008 و2012، أدت الزيادات السنوية منذ عام 2012 إلى تحمل المواطنين زيادة متراكمة تزيد عن 160% في قيم فواتير الكهرباء. فكانت الزيادة للفقراء 167% منها 47% هذا العام وحده (الشكل رقم 4)، هذا رغم وعود وزير الكهرباء في إبريل 2016 بأن الزيادات الجديدة لن تؤثر على محدودي الدخل.[1] فيما تحمل متوسطو الدخل زيادة متراكمة تصل إلى 190% منها 52% هذا العام فقط (الشكل رقم 5).
تزعم وزارة الكهرباء أن استهلاك الفقراء ومحدودي الدخل يقع في الشريحتين الأولى والثانية، ولكن الإحصاءات الرسمية توضح أن استهلاك هذه الأسر المهمشة يقع في الشريحة الثالثة والرابعة. فإذا حسبنا الحد الأدنى للاستهلاك المنزلي للكهرباء طبقًا للأجهزة الكهربائية الموجودة لدى 85% من المصريين، وهذا حسب بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لسنة 2012/2013 للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ومعدل الاستخدام العادي الذي لن يقل عن 180 ك.و.س. في الشهر كمتوسط طوال السنة، حسب معدل استهلاك متوسط لهذه الأجهزة تم حسابه من خلال موقع وزارة الكهرباء (انظر الشكل رقم 8)، فسيقع هذا الاستهلاك أعلى الشريحة الثالثة، وليس في الشريحة الأولى أو الثانية واللتين تمثلان استهلاكًا ضئيلًا قد يكون لوحدات مغلقة أو لغرف الحارس أو بير السلم وليس وحدات سكنية.
هذه الزيادات رفعت عبء تكاليف الطاقة على الأسر المصرية حيث مثلت فواتير الكهرباء 2.6% و2.2% من إجمالي إنفاق الأسرة الشهري للفقراء ومحدودي الدخل على التوالي.[2] هذه النسب تتعدى متوسط الإنفاق الأُسري على الطاقة في دول غنية مثل الولايات المتحدة (2.15 %)،[3] هذا رغم ارتفاع متوسط الاستهلاك المنزلي للكهرباء للأسر في الولايات المتحدة 3.7 أضعاف متوسط الاستهلاك في مصر (911 مقابل 247 ك.و.س./شهر).
شركة الكهرباء حققت الأرباح العام الماضي وليست الخسائر
حسب تصريحات وزير الكهرباء، تكلفة إنتاج الكيلو وات ساعة (ك.و.س.) من الكهرباء كانت تساوي 61.8 قرشًا حتى تعويم الحكومة للجنيه في نوفمبر الماضي،[4] ثم قفزت لـ91.2 قرشًا بعد التعويم.[5] فيما تبيع الشركات الكهرباء بمتوسط 47 قرشًا بعد الزيادة الأخيرة،[6] أي أن نسبة الدعم زادت من 22.8% إلى 48.5% من سعر التكلفة. ولكن ثمة عدم دقة في هذه البيانات، فكيف تدعم وزارة الكهرباء الطاقة بنحو النصف وفي الوقت نفسه حققت الشركة القابضة لكهرباء مصر أرباحًا بقيمة ملياري جنيه العام السابق؟[7]
بخصوص سعر بيع الـ ك.و.س. فهذا الرقم أعلى بكثير مما ذكره وزير الكهرباء. فقد اقتصرت تصريحات الوزير على متوسط سعر البيع للمنازل فقط، دون الأخذ في الاعتبار باقي الأنشطة ومنها التجارية والصناعية للقطاع الخاص والتي يتم بيع الطاقة لهما بأسعار أعلى من أسعار المنازل. فعند حساب جميع إيرادات الشركة القابضة لكهرباء مصر، يصل متوسط سعر بيع الـ ك.و.س. إلى 54.4 قرشًا،[8] وذلك في عام 2014/2015 (وهي أحدث الإحصاءات) أي قبل موجتين لزيادة أسعار تعريفة الكهرباء للمنازل في السنتين الماليتين 2015/2016 بزيادة قدرها 25% و2016/2017 بزيادة قدرها 33%، أي أنه يمكن استنتاج أن متوسط سعر بيع الـ ك.و.س. ارتفع في عام 2016/2017 إلى 70 قرشًا (أي نصف قيمة الزيادات نظرًا إلى الوزن النسبي للاستخدام المنزلي)، وليس 47 قرشًا كما صرح وزير الكهرباء.
أما بخصوص سعر تكلفة الـ ك.و.س. فقد استخدم الوزير سعرًا غير دقيق أيضًا. فتتضمن تكاليف الإنتاج في حسابات الوزير التكلفة الاستثمارية لبناء محطات الكهرباء وخطوط النقل الجديدة، وهو ما يرفع من حساب هذا البند. ولكن لمعرفة تكلفة الإنتاج الفعلية يجب حذف هذه القيمة لأن من المفترض تحميل تكلفتها على المشتركين الجدد بتوازن نسبي حسب الأنشطة (سكني، تجاري، صناعي، حكومي، إلخ…)، كما أن هناك تفاوتًا جغرافيًّا كبيرًا في توزيع الكهرباء كما نوضحه في الفقرة التالية في التقرير، مما يتطلب أيضًا لتوزيع حمل هذه الاستثمارات جغرافيًّا بين المحافظات. بالإضافة يفترض أن تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من الاستثمارات في قطاع الكهرباء، لأنها استثمارات لخدمة عامة يجب تمويلها من مواردها الأخرى مثل الضرائب كما هو الحال في مرافق مياه الشرب والصرف الصحي والطرق. في هذا الحال بعد حذف نصف التكاليف الاستثمارية تنخفض تكلفة الإنتاج 16.5% لتصل غلى نحو 51.6 قرشًا للـ ك.و.س. قبل تعويم الجنيه، بدلُا من 61.8 قرشًا، أي بما يحقق ربحًا للشركة بنحو 13.3%.
أما بعد تعويم الجنيه، وهو قرار لم يتخذه المواطنون، فستصبح التكلفة 76.2 قرشًا بدلًا من 91.2 قرشًا، عند حساب سعر الدولار عند 18 جنيهًا، أي بنسبة خسارة 9% فقط.
تفاوت جغرافي في الاستهلاك بين المحافظات
ارتفع متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك المنزلي على مستوى الجمهورية إلى نحو الربع بين عامي 2013/2014 و2015/2016، وهذه أحدث إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (من 228 إلى 247 ك.و.س. شهريًّا).[9] لا زالت المحافظات الحضارية في الصدارة (القاهرة والجيزة وبورسعيد والإسكندرية) مع ارتفاع ملحوظ في ثماني محافظات في الدلتا والصعيد وسيناء. ولكن يساوي متوسط نصيب الأسرة في القاهرة، المحافظة ذات النصيب الأعلى للأسرة، نحو أربعة أضعاف أدنى محافظة استهلاكًا، وهي الدقهلية (الشكل رقم 7).
في العموم يقع نصيب الأسر من استهلاك غالبية المحافظات الريفية في الصعيد والدلتا تحت متوسط الجمهورية. ورغم تحسن موقف أربع محافظات كان يقع نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء بها أسفل الحد الأدنى للاستهلاك المنزلي العام الماضي، وهم سوهاج وأسيوط والمنيا والغربية، مما يدل على تحسن في الخدمة أو تقليص تخفيف الأحمال، وظلت أربع محافظات أخرى أسفل الحد الأدنى (الدقهلية، شمال سيناء، بني سويف وقنا) وانضمت كفر الشيخ إليهم مما يشير إلى استمرار تخفيف الأحمال فيهم أو وجود مشاكل مزمنة في النقل (الشكل رقم 6).
هذا التفاوت بين المحافظات الحضرية، وبخاصة العاصمة، والمحافظات الريفية يشير إلى خلل في عدالة توزيع الكهرباء على مستوى الجمهورية.
التوصيات: الاحتياج إلى تطوير سياسة كهرباء عادلة
1. دعم الفقراء ومحدودي الدخل
•يجب توفير الحد الأدنى للطاقة للأسر الفقيرة ومحدودي الدخل، وهو بمتوسط 200 ك.و.س. في الشهر لكل أسرة على مدار السنة، بما لا يحملهم أكثر من 2.5% من دخلهم الشهري.
•يجب توفير الاستخدام المعقول للطاقة للأسر متوسطة الدخل، وهو بمتوسط 300 ك.و.س. في الشهر لكل أسرة على مدار السنة، بما لا يحملهم أكثر من 2.5% من دخلهم الشهري.
•يجب إعادة تدرج شرائح الاستهلاك السبع لتكون شرائح متدرجة بتوازن وليست بشكل مطرد، فيجب إعادة حساب الشريحة الثالثة لتكون “من 100 إلى 200 ك.و.س.” بدلًا “من صفر إلى 200 ك.و.س.”، والشريحة السابعة إلى “أعلى من 1000 ك.و.س” بدلًا “من صفر إلى 1000 ك.و.س.” توفير الحد الأدنى من الطاقة لكل المحافظات
•يجب توفير الحد الأدنى من الطاقة، وهو 200 ك.و.س. في الشهر لكل أسرة، للمحافظات التي تنخفض عن هذا الحد وإعطائهم الأولوية في الاستثمارات حتى وصولهم إلى الحد الأدنى.
2. وضع برنامج ترشيد للطاقة لشرائح الاستهلاك العالي
يجب وضع برنامج قومي لترشيد الطاقة لشرائح الاستهلاك العالي، الشرائح الخامسة حتى السابعة، وهذا من خلال:
•فرض كفاءة حرارية مدروسة لكل الوحدات السكنية والإدارية والتجارية الجديدة من خلال الكود المصري للعزل الحراري وتضمينها من ضمن إصدار تراخيص البناء.
•تحفيز مُلاك الوحدات السكنية والإدارية والتجارية القائمة لرفع الكفاءة الحرارية لوحداتهم من ضمن برنامج قومي لدعم تطوير الوحدات القائمة.
3. تحسين شفافية قطاع الكهرباء
يجب تحسين شفافية قطاع الكهرباء والعمل على توفير الصورة الدقيقة لمستخدمي الكهرباء في مصر:
•تبسيط عملية حساب الفاتورة عن طريق إلغاء رسم مقابل الخدمة أو تحميله على التعريفة الرئيسية للكهرباء دون المساس بالتوصية رقم 1. هذا بالإضافة إلى رفع كفاءة عملية قراءة العدادات وتوضيح المتأخرات المحسوبة على الفواتير.
•نشر إحصاءات قطاع الكهرباء في مواعيدها والتوسع في نشر دراسات تفصيلية ومبسطة عن علاقة دعم الكهرباء لقطاع المنازل، وبخاصة محدودي الدخل والفقراء.
المراجع والملاحظات
[1] شاكر: “لا انقطاع للكهرباء صيفًا.. وهيكلة أسعارها بما يناسب محدودى الدخل”، الأهرام، 15 إبريل 2016 http://www.ahram.org.eg/NewsQ/498075.aspx
[2] محسوب على أساس وسيط الدخل للأسر الأكثر فقرًا، الخمس الأول 1861 جم/شهريًّا ومتوسطي الدخل، الخمس الثالث 2806 جم/شهر وهذا حسب إسقاطات للسنة المالية 2015/2016 مبنية على قيم بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك 2012/2013 للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
[3] Electric Choice n.d. Percentage of Household Income Spent on Electricity by State. https://www.electricchoice.com/blog/percentage-income-electricity/ Accessed 02.02.2016
[4] ” 60.1 مليار جنيه استثمارات الكهرباء لإنشاء محطات طاقة جديدة”، الأهرام، 30/11/2016. http://www.ahram.org.eg/NewsQ/564838.aspx
[5] “وزير الكهرباء: تحرير سعر الصرف رفع تكلفة الدعم من 30 إلى 65 مليار جنيه”، أخبار مصر، 2/2/2017http://www.egynews.net/1277461/%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%87%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%b3%d8%b9%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d9%81-%d8%b1%d9%81%d8%b9-%d8%aa%d9%83%d9%84%d9%81/
[6] المصدر السابق.
[7] الشركة القابضة لكهرباء مصر. التقرير السنوي 2014-2015 ص11 http://www.moee.gov.eg/test_new/report.aspx
[8] حسب إجمالي إيرادات الشركة القابضة لكهرباء مصر (79.8 مليار جنيه) وإجمالي الطاقة المباعة (146.6 مليار ك.و.س.) متضمنة الفاقد والذي وصل إلى 12.7%. (الشركة القابضة لكهرباء مصر. التقرير السنوي 2014-2015).
[9] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. النشرة السنوية لإحصاءات الكهرباء والطاقة 2013/2014 و 2014/2015